كشفت عملية “باركيرّا” التي نفذها الحرس المدني الإسباني عن شبكة معقدة تنشط بين المغرب وسبتة المحتلة، تتجاوز مجرد تهريب المهاجرين إلى بناء منظومة كاملة تستغل الهشاشة الإنسانية من أجل الربح السريع. التحقيقات التي قادت إلى توقيف أفراد الشبكة وإيداعهم السجن الاحتياطي، أظهرت تورطهم في استخدام اللجوء كوسيلة احتيال، والمتاجرة في الزواج الصوري، وتهريب القاصرين بطرق بالغة الخطورة، في مشهد يعكس عمق الفوضى التي تعرفها المدينة المحتلة وغياب الرقابة الحقيقية على حدودها.
كانت الشبكة تعتمد على طلب اللجوء كأحد أهم أساليبها، إذ تقدم للمهاجرين تعليمات دقيقة فور وصولهم إلى سبتة المحتلة: تمزيق أي وثائق مزورة، الادعاء بأنهم دخلوا سباحة، ثم التصريح مباشرة بطلب اللجوء باعتباره “حلاً سحرياً” لتسوية أوضاعهم. هذه الخدمة كانت تُباع بمبالغ تتراوح بين 9.000 و10.000 أورو لدخول سبتة، وتصل إلى 14.000 أورو للوصول إلى شبه الجزيرة، مع توزيع الأرباح على سلسلة من المتعاونين، بينهم مراقبون ومزوّدو معدات السباحة وأشخاص “يغضون الطرف” مقابل نصيبهم.
أما الجانب الأخطر فيتمثل في المتاجرة بـ”الزواج الأبيض”، حيث تشير المكالمات المسجلة إلى وجود “سوق” داخل سبتة المحتلة يقدم خدمات الزواج الصوري لكل من يرغب في تسوية وضعه القانوني. بعض الحالات تكشف عن عمليات جلب مهاجرين مقابل مبالغ ضخمة، ثم ترتيب عقود زواج بمقابل مالي، في تجارة تكرر نفسها كلما ظهر خلل أمني أو هشاشة قانونية يمكن استغلالها.
ولم تستثنِ أنشطة الشبكة القاصرين، بل شملت تهريب أطفال تقل أعمارهم عن 14 سنة بطرق صادمة، حيث يتم جرّهم عبر الماء مربوطين بالحبال مقابل 8.000 أورو، أو نقلهم عبر قوارب صيد بمبالغ تصل إلى 11.000 أورو. كما تم رصد حالات لقاصرين في مراكز الإيواء بسبتة قبل مساعدتهم سراً على العبور نحو الضفة الأخرى من البحر.
ولم تكتفِ الشبكة باستغلال المسار التقليدي نحو سبتة المحتلة، بل حاولت التوسع نحو طرق جديدة بين المغرب وطريفة، وحتى نحو جزر البليار التي أصبحت بدورها واجهة جديدة للهجرة. استخدمت الشبكة تطبيقات مشفرة لتجنب مراقبة السلطات، مما يعكس مستوى التنظيم الذي بلغته.
هذه القضية تكشف أن سبتة المحتلة تعيش وضعاً يتجاوز قدرات التحكم الأمني، حيث تتحول إلى مجال مفتوح لشبكات منظمة تستغل الضعف القانوني والمعاناة الإنسانية. وهو ما يعيد طرح سؤال المسؤولية عن استمرار هذه الفوضى في منطقة تحتل موقعاً حساساً داخل البحر الأبيض المتوسط، ويؤكد أن معالجة الظاهرة تحتاج إلى مقاربة شمولية تنطلق من احترام حقوق الإنسان ومحاربة الاستغلال، إلى جانب إنهاء الوضع الاستثنائي الذي تعيشه المدينة بسبب الاحتلال.
24/11/2025











