بعد ربع قرن على تقنين الدعارة، تعود ألمانيا لمراجعة نموذجها الليبرالي للعمل الجنسي، مع تحركات داخل الائتلاف الحاكم لإعادة النظر في القوانين المنظمة لهذا القطاع. خطوة أثارت جدلاً وطنياً وقلق الجمعيات الحقوقية التي تخشى أن يزيد أي تشديد قانوني من هشاشة العاملات واستغلالهن.
يقود المحافظون في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، بدعم من شركائهم الاشتراكيين الديمقراطيين (SPD)، مساراً جديداً لتغيير القوانين التي جعلت ألمانيا أحد أكثر البلدان الأوروبية تساهلاً في الدعارة. ويرى الكثير من الفاعلين أن التجربة الألمانية لم تحقق حماية فعلية للنساء، بل وفّرت مناخاً لتضخم شبكات الاستغلال والاتجار بالبشر.
أشعلت رئيسة البوندستاغ يوليا كلوكنر النقاش مجدداً، خلال تسلمها “جائزة المُلهمات” لتكريم إنجازات النساء، حين قالت: “أنا مقتنعة تماماً بأن الوقت قد حان لحظر الدعارة وشراء الخدمات الجنسية في بلدنا.”
وأضافت: “حين نتحدث عن حقوق النساء، ثم نزعم أن الدعارة مهنة كغيرها، فهذا ليس كلاماً فارغاً، بل إهانة للنساء. القوانين الحالية لم تُعزّز حقوقهن، بل تركتهن في دائرة الاستغلال.”
وصفت كلوكنر ألمانيا بـ”ماخور أوروبا”، وهو وصف أثار سجالاً بين المدافعين عن حقوق العاملات والمحافظين الراغبين في إغلاق هذا الملف نهائياً.
بعد أيام، دعمت وزيرة الصحة نينا فاركن الطرح ذاته، مؤكدة حاجة ألمانيا إلى الاقتداء بـ”النموذج الشمالي” حيث يُجرَّم شراء الخدمات الجنسية دون معاقبة العاملات. وقالت: “نحتاج إلى تجريم الزبائن، وتقديم دعم شامل لكل من ترغب في الخروج من عالم الدعارة. حماية النساء لا تكون بتطبيع الاستغلال، بل بتجفيف منابعه.”
في المقابل، عبّرت جمعيات حقوقية عن مخاوفها من أن يؤدي الحظر إلى دفع النساء للعمل السري غير المحمي، ما يزيد من تعرضهن للعنف والاستغلال، معتبرة أن الحل يكمن في تحسين شروط العمل، وتعزيز الرقابة الاجتماعية والصحية، ومحاربة شبكات الاتجار.
الجدل الألماني يطرح أسئلة مهمة حول قدرة الدولة على حماية النساء، وحدود تقنين أنشطة حساسة اجتماعياً، والدور الحقيقي للقوانين: هل تنظم الواقع أم تشجّع على الاستغلال؟ تكشف التجربة الألمانية أن حين يصبح القانون غطاءً للاستغلال، ينهار جوهر الحماية، وتتحول “الحرية” إلى سوق بلا ضوابط.
26/11/2025











