في خطوة ذات دلالات سياسية واقتصادية بارزة، اختارت حكومة جزر الكناري المضي قدماً في تنظيم بعثة استثمارية رسمية نحو الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، متجاوزة حملات التشويش التي تقودها بعض المنظمات الدولية ومواقف اليمين الإسباني المعادي للوحدة الترابية للمغرب. ورغم الضجيج القانوني المرتبط ببعض الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية، تواصل الكناري نهجها البراغماتي في دعم التعاون مع الرباط، إدراكاً منها لمكانة المغرب كقوة صاعدة ومركز دينامي للتنمية في غرب إفريقيا.
وتنظم الوكالة الكنارية لترقية الأعمال وتدويل المقاولات البعثة الاقتصادية بشراكة مع الاتحاد الكناري للأنشطة المينائية، حيث ستزور وفود من رجال الأعمال الداخلة ما بين 29 نونبر و02 دجنبر 2025 لاستكشاف الفرص الاستثمارية التي توفرها المشاريع الكبرى، وفي مقدمتها مشروع ميناء الداخلة الأطلسي الذي تصل كلفته إلى مليار وثلاثمائة مليون يورو، والذي يُتوقع أن يشكل محوراً استراتيجياً لربط إفريقيا بأوروبا وأمريكا. ويشمل برنامج البعثة زيارات تقنية للميناء والمناطق اللوجستيكية، واجتماعات مؤسساتية ولقاءات مباشرة مع الفاعلين الاقتصاديين المغاربة، في قطاعات الخدمات البحرية واللوجستيك والرقمنة والطاقات المتجددة والاقتصاد الأزرق والدائري.
ورغم محاولة الوكالة تقديم أنشطتها بصفة “تقنية”، إلا أن الدعم الحكومي الواضح—من توفير الرحلات والسكن إلى ترتيب اللقاءات الرسمية—يكشف عن رغبة سياسية حقيقية لدى الكناري في تعزيز علاقتها مع المغرب. ويأتي هذا التحرك في وقت يثير فيه بعض نواب الحزب الشعبي الإسباني ضغوطاً سياسية عبر لقائهم ممثلين عن جبهة البوليساريو داخل جزر الكناري، في محاولة لإحراج الحكومة المحلية ودفعها إلى التراجع عن تقاربها مع الرباط. لكن الواقع الاقتصادي يفرض منطقه، فالصعود المتسارع للموانئ المغربية الجديدة، وعلى رأسها طنجة المتوسط والداخلة الأطلسي، يدفع الأرخبيل إلى التفكير في شراكات تكاملية بدل التمسك بخطابات متجاوزة.
وتأتي هذه البعثة أيضاً في سياق تطور العلاقات السياسية بين الرباط ولاس پالماس، بعد أن كان رئيس الحكومة الكنارية فرناندو كلافيخو قد أعلن خلال زيارته إلى المغرب سنة 2024 دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، ما أثار حفيظة بعض التيارات المؤيدة للطرح الانفصالي، لكنه عكس في المقابل توجهاً واقعياً ينسجم مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للكناري.
وهكذا تجد حكومة الجزر نفسها أمام معادلة مركّبة تجمع بين دينامية اقتصادية مغربية لا يمكن تجاهلها، وضغوط حزبية إسبانية تحاول عرقلة مسار التعاون، وتحولات جيوسياسية في الأطلسي يعيد المغرب تشكيل موازينها من خلال مشاريعه المينائية العملاقة. ومع ذلك، يبدو أن الكناري حسمت خيارها: المضي في تعزيز علاقاتها مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، باعتبار أن المستقبل الاقتصادي للمنطقة يمر عبر شراكة قوية مع المغرب، لا عبر خطاب اليمين الإسباني الذي فقد بريقه وتأثيره.
26/11/2025