في دهاليز السياسة المغربية، حيث تتشابك المصالح الإيديولوجية مع الحسابات الانتخابية، يبرز اسم الدكتور نجيب الوزاني كواحد من أكثر الشخصيات إثارة للجدل، وربما أكثرها قدرة على البقاء. إنه الطبيب الجراح القادم من جبال الريف الشامخة، الذي استبدل مبضع الجراحة بميكروفون البرلمان، ليخوض عمليات سياسية دقيقة، تارة بمهارة عالية، وتارة أخرى بمغامرات غير محسوبة العواقب.
يعتبر الوزاني رئيس جماعة الحسيمة حاليا ، والنائب البرلماني الأسبق عن دائرة الناظور لأربع ولايات تشريعية ، “ظاهرة” سياسية بامتياز في منطقة الريف ( الناظور الحسيمة والدريوش)، حيث يمزج بين صفة (Notables) وبين الدهاء السياسي الذي جعله يتنقل بين أقصى اليمين والوسط، وصولاً إلى تحالفات بدت “سوريالية” للكثيرين.
لم يكن مسار نجيب الوزاني تقليدياً. فالرجل الذي بدأ نشاطه السياسي أيام الدراسة والضبط سنة 1972 ضمن إتحاد طلبة المغرب ، ومنه تيار إلى الأمام اليساري ، بنى مجداً طبياً كجراح عظام، دخل السياسة ليس من باب النضال الطلابي اليساري المعتاد في السبعينيات .
البداية كانت في حزب الحركة الشعبية، حيث أنتخب لأول مرة كنائب برلماني عن دائرة الناظور سنة 1992 , بعدها أسس حزب “العهد”، وهو حزب صُنف طويلاً ضمن الأحزاب الإدارية أو أحزاب الوسط التي تدور في فلك الدولة.
استطاع الوزاني أن يبني قاعدة انتخابية صلبة في منطقة الريف، معتمداً على خدماته الطبية وقربه من المواطنين، مما جعله رقماً صعباً في المعادلات الانتخابية في الشمال.
ولعل المحطة الأكثر صخباً في مسار الوزاني كانت خلال تشريعيات 2016. في خطوة وصفها المراقبون بـ “الزلزال السياسي”، قرر الوزاني (الليبرالي التوجه، وابن الإدارة) الترشح وكيلَ لائحة لحزب العدالة والتنمية (الإسلامي) في جماعة الحسيمة.
كان هذا التحالف موجهاً بوضوح ضد غريمه التقليدي في المنطقة، حزب “الأصالة والمعاصرة” (PAM). لقد أثبتت هذه الخطوة أمرين:
برغماتية الوزاني: استعداده للتحالف مع النقيض الإيديولوجي للحفاظ على مقعده ومحاربة خصمه اللدود.
مرونة بنكيران: (الأمين العام للبيجيدي آنذاك) الذي قبل بترشيح شخصية لا تشترك مع الحزب في المرجعية، فقط لكسب موطئ قدم في الريف.
الوزاني ومعادلة “الريف” الصعبة
لا يمكن فهم تحركات نجيب الوزاني بمعزل عن جغرافية “الريف”. فالرجل يتحرك في حقل ألغام دائم:
حراك الريف: وجد الوزاني نفسه في مواقف دقيقة خلال أحداث حراك الريف. حاول أن يمسك العصا من الوسط، منتقداً المقاربة الأمنية تارة، ومحاولاً لعب دور الوسيط تارة أخرى، لكنه ظل محسوباً في نظر الكثيرين من شباب الحراك على “النخبة التقليدية”.
صراع الزعامات: الصراع في الحسيمة ليس مجرد صراع حزبي، بل هو صراع عائلات ونفوذ. الوزاني يمثل وجهاً من وجوه هذا الصراع القديم-الجديد ضد نفوذ عائلة العماري وآخرين.
يتميز الوزاني بأسلوب هادئ في الخطابة. لا يميل للصراخ، بل يستخدم لغة تحليلية هادئة (تشبه تشخيص الطبيب).
نقاط قوته: القدرة على التفاوض، شبكة علاقات واسعة، ومعرفة دقيقة بخبايا الخريطة الانتخابية.
نقاط ضعفه: كثرة الترحال الحزبي (من العهد، إلى الاندماج، ثم التحالف مع البيجيدي، ثم العودة للحركة الشعبية..)، مما أفقد خطه السياسي الوضوح اللازم لدى الناخب المثقف، رغم بقاء ولاء قاعدته القبلية/المحلية.
اليوم، ومع تغير الخارطة السياسية بعد انتخابات 2021 ، وصعود قوى جديدة، يواجه نجيب الوزاني المنتمي لحزب الحركة الشعبية تحدي تجديد . هل يستطيع “الجراح” أن يجري عملية تجميل لمساره السياسي ليتلائم مع مغرب اليوم؟ أم أن أسلوب “الترحال السياسي” والاعتماد على النفوذ العائلي قد استنفد أغراضه؟
الأكيد أن نجيب الوزاني سيظل اسماً محفوراً في ذاكرة العمل السياسي في شمال المغرب، كنموذج للسياسي الذي يرفض التقاعد، ويجيد ركوب الأمواج مهما كان ارتفاعها.
28/11/2025