لم يكن مشهد تثبيت الخيمة العملاقة، التي خصصها مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة برئاسة عمر مورو لاستضافة معرض، حدثًا عاديًا في قلب مدينة الحسيمة. بل تحول إلى نقطة غليان جديدة في العلاقة الملتبسة بين الساكنة المحلية والقرارات المتعلقة بإدارة الفضاءات العمومية، خاصة عندما يتعلق الأمر بساحة محمد السادس، الشريان النابض ومتنفس المدينة الأول.
لقد استقبل الأهالي، الذين اعتبروا هذه الساحة جزءًا من هويتهم البصرية ومكانهم الأثير للتنزه والراحة، عملية الإنشاء بامتعاض وغضب متصاعد. السبب لم يكن في فكرة المعرض بحد ذاتها، فالمدينة ترحب بكل مبادرة تنموية أو ثقافية، وإنما في الطريقة المتبعة والأثر المباشر على هذا الفضاء الحضري الثمين.
يكمن جوهر الاعتراض في الإجراء التقني الذي تطلبته عملية تركيب الخيمة الضخمة، إذ اضطرت فرق التركيب إلى حفر ثقوب مباشرة في أرضية الساحة المكسوة بالزليج (البلاط) لتثبيت الدعامات والأوتاد اللازمة. هذا الفعل، وإن كان ضروريًا لضمان سلامة المنشأة المؤقتة، اعتبره عدد كبير من المواطنين “اعتداءً مباشرًا” على جمالية ومكونات الساحة، التي كلفت ميزانية المدينة مبالغ هامة لتهيئتها وصيانتها. “ساحة محمد السادس ليست مجرد أرضية، إنها مرآة المدينة وذاكرتها. حفر الزليج من أجل خيمة مؤقتة دليل على غياب التخطيط المسبق وعدم احترام قيمة الفضاء العام.” ( تصريح لأحد النشطاء المحليين ) .
لقد أثارت مشاهد عمال وهم يحفرون في الزليج المعد خصيصًا للمشاة وللتجمعات السلمية موجة من الانتقادات، متهمين الجهة المنظمة، التي يشرف عليها السيد عمر مورو، بالاستسهال والترقيع في التعامل مع البنية التحتية الحضرية. ويتساءل المنتقدون عن الضمانات والإجراءات المتخذة لإصلاح هذه الأضرار بعد انتهاء فعاليات المعرض، وهل ستتم استعادة الساحة إلى حالتها الأصلية بنفس الجودة والجمالية.
يُضاف إلى الغضب من الضرر المادي، الاستغراب من غياب التواصل والشفافية حول هذا القرار. فالسؤال الذي يطرحه الجميع: ألم تكن هناك بدائل أخرى؟ لماذا تم اختيار الساحة العمومية الأبرز، التي تشهد إقبالًا كثيفًا، لاستضافة المعرض، في الوقت الذي تتوفر فيه المدينة على فضاءات أخرى قد تكون أكثر ملاءمة لمثل هذه الأنشطة؟
إن هذا الحادث يعيد إلى الواجهة التحدي الأبدي الذي تواجهه المدن المتوسطة كالحسيمة: كيف نوازن بين الحاجة إلى تنشيط الحياة الاقتصادية والثقافية (عبر معارض وفعاليات) وبين الحفاظ على المساحات العمومية التي تشكل متنفسًا ضروريًا للساكنة، بعيدًا عن منطق “الاستهلاك” المؤقت لها؟
إن ما حدث في ساحة محمد السادس ليس مجرد “حفر في الزليج”، بل هو صدع في الثقة بين الهيئات المنتخبة والمواطن، ويذكر بأن التنمية المستدامة تتطلب احترامًا أوليًا للبيئة الحضرية وحق المواطن في فضاء عام سليم وجميل. ويبقى السؤال معلقًا: هل سيتدارك مجلس الجهة هذا الموقف، ويقدم توضيحات حول الإجراءات التعويضية، ويعيد الاعتبار لأحد أجمل فضاءات الحسيمة؟
01/12/2025