kawalisrif@hotmail.com

إسبانيا تراهن على الأعمال مع المغرب رغم استحواذ فرنسا على العقود الضخمة

إسبانيا تراهن على الأعمال مع المغرب رغم استحواذ فرنسا على العقود الضخمة

تنطلق الاجتماعات رفيعة المستوى بين إسبانيا والمغرب هذا الأربعاء في مدريد، في محطة جديدة ضمن مسار إعادة ضبط العلاقات الثنائية منذ التحول الكبير في موقف الحكومة الإسبانية تجاه ملف الصحراء المغربية. وتفتح الكونفدرالية الإسبانية لمنظمات الأعمال (CEOE) أبوابها لعشرات الفاعلين الاقتصاديين في منتدى مخصّص للتعاون مع المغرب، البلد الذي لم يعد مجرد شريك تجاري، بل قطب اقتصادي صاعد بات يجذب كبريات الشركات الأوروبية.

منذ الموقف الإسباني الجديد، ارتفعت التجارة والاستثمار بين البلدين إلى مستويات قياسية، غير أن الشركات الإسبانية ما تزال تُدرك أن المنافسة في المغرب لم تعد سهلة، خصوصًا بعد عودة الدفء للعلاقات المغربية–الفرنسية خلال 2024، وهي العودة التي استفادت منها باريس للحصول على مشاريع استراتيجية كبرى داخل المملكة.

ومع ذلك، يظل الواقع الأهم هو أن المغرب بات اليوم سوقًا وقطبًا متحركًا بكامل إرادته، لا يُمنح فيه التفوق لأي طرف بشكل أوتوماتيكي، بل وفق اعتبارات سيادية وتنافسية واضحة.

رغم الانتعاش الكبير للحضور الإسباني، خصوصًا خلال فترة التوتر المغربي–الفرنسي، فإن باريس استعادت مكانها باعتبارها شريكًا تاريخيًا، بعد أن أنهت أزمة غير مسبوقة مع الرباط وقدّمت اعترافًا صريحًا بمغربية الصحراء. هذا المعطى السياسي فتح الباب أمام توقيع 22 اتفاقية بقيمة 10 مليارات يورو خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرباط في أكتوبر 2024.

من أبرز الصفقات حصول شركة ألستوم على عقد بقيمة 781 مليون يورو لتزويد خط القنيطرة–مراكش فائق السرعة بالقطارات الجديدة، وهو مشروع يدخل ضمن رؤية المغرب لتحويل شبكته للقطارات فائقة السرعة إلى الأكبر في إفريقيا.

في الوقت نفسه، خرجت شركات إسبانية مثل Talgo وCAF من هذا السباق، رغم فوز CAF لاحقًا بعقد متوسط ضمن برنامج دولي سنة 2025.

لكن من المهم التأكيد على أن اختيارات المغرب اليوم تُبنى على التكنولوجيا، والتمويل، والتنافسية، ونقل الخبرة الصناعية، وليست محكومة بتفضيلات سياسية كما في العقود الماضية.

تصاعدت المبادلات التجارية إلى أرقام غير مسبوقة، حيث بلغ مجموع صادرات إسبانيا إلى المغرب 12.8 مليار يورو العام الماضي، مقابل 9.8 مليارات من الواردات. ويعتمد السوق الإسباني على المغرب كمركز صناعي متقدم في مجالات السيارات والطيران والنسيج والخدمات اللوجستية.

ورغم أن فرنسا تهيمن على صفقات البنية التحتية الكبرى، فإن إسبانيا أصبحت جزءًا أساسيًا من النسيج الصناعي المغربي:
– أزيد من 1,300 شركة إسبانية تعمل داخل المملكة
– تعاون لوجستي متنامٍ في موانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء
– توسّع للصناعات الإسبانية في مجالات التجهيزات الكهربائية والطاقات المتجددة

وبالنسبة للمغرب، فإن وجود منافسة إسبانية–فرنسية على الاستثمارات ليس عيبًا، بل رافعة تفاوضية تمنح الرباط قدرة أكبر على اختيار الأفضل.

تقرير الأونكتاد يشير إلى أن رصيد الاستثمار الأجنبي في المغرب وصل سنة 2023 إلى 69.3 مليار دولار، ما يرسّخ موقع المملكة بين الاقتصادات الأكثر جاذبية في القارة.

ويسعى المغرب، من خلال مشاريع مونديال 2030 مع إسبانيا والبرتغال، إلى خلق دينامية غير مسبوقة، وهو ما دفع رئيس CEOE أنطونيو غارامندي إلى الإعلان عن لجنة ثلاثية مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بهدف رفع الاستثمارات المتبادلة إلى 5 مليارات يورو بحلول 2028.

وفي الوقت نفسه، يظل ملف الاستثمار في الأقاليم الجنوبية للمملكة محل نقاش داخل القضاء الأوروبي، رغم أن المغرب يعتبر هذه الأقاليم جزءًا من مجاله السيادي ويواصل ضخ استثمارات عملاقة فيها، خصوصًا في الداخلة والعيون.

عودة العلاقات التجارية بين إسبانيا والجزائر منذ مطلع 2025، وارتفاع الصادرات الإسبانية نحو الجزائر بـ162%، أوجد متغيرًا جديدًا في معادلة المنطقة.
لكن الرباط ليست قلقة؛ فالمغرب اليوم لا يتنافس على النفوذ السياسي بقدر ما يركّز على جاذبية اقتصاده، وواقعه الصناعي الجديد، وقدرته على التحول إلى مركز إقليمي للطاقة واللوجستيك والسيارات والدفاع.

أما في إسبانيا، فقد تحوّل الموضوع إلى ورقة سياسية، خصوصًا لدى الحزب الشعبي الذي يحاول توظيف العلاقة مع الجزائر لمهاجمة الحكومة الاشتراكية ودفعها للتراجع عن موقفها من الصحراء.

لكن من منظور مغربي، فإن التغيرات الإقليمية لا تُضعف موقع الرباط، بل تؤكد أن كل الفاعلين الأوروبيين يحتاجون المغرب اليوم أكثر من أي وقت مضى في ملفات الهجرة والطاقة والأمن والاقتصاد.

تسعى القمة الحالية في مدريد إلى تكريس التعاون الاقتصادي، لكن خلف الصور البروتوكولية، يدرك الطرفان أن المنطقة تشهد سباقًا فرنسيًا–إسبانيًا–أوروبيًا على الاستثمار داخل المغرب.

أما المغرب، الذي يعتمد في رؤيته الاقتصادية على توطين الصناعات المستقبلية في السيارات الكهربائية، والهيدروجين الأخضر، والدفاع، فهو يواصل اختيار الشركاء وفق معايير سيادية ومردودية اقتصادية واضحة، وليس وفق حسابات تقليدية.

وبينما تبحث إسبانيا عن تعزيز موطئ قدمها في اقتصاد مغربي يتحول بسرعة إلى قوة قارّية، تستمر الرباط في بناء موقعها كقوة إقليمية تصنع التوازنات ولا تكتفي بلعب دور التابع.

03/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts

3 ديسمبر 2025