تعقد مدريد هذا الخميس الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في سياق داخلي إسباني مرتبك، بعدما اختارت حكومة بيدرو سانشيز تقديم نسخة باهتة ومتحفظة من القمة، خلافاً لما جرى خلال لقاء الرباط سنة 2023.
ويبدو أن الحكومة الإسبانية تدرك تماماً حساسية الظرفية، لا سيما بعد التحول الدولي المتسارع لصالح الموقف المغربي في قضية الصحراء، ما دفعها إلى خفض سقف التمثيلية وإبعاد وزراء “سومار” اليساري، الذين يُتوقّع أن يُفجّر حضورهم نقاشات محرجة داخل القاعة وخارجها.
إحدى أكثر النقاط إثارة للاستغراب داخل إسبانيا هي قرار الحكومة منع الصحافيين من طرح الأسئلة خلال القمة، وهو أمر غير مسبوق في الاجتماعات الثنائية الرفيعة. خطوة أثارت موجة استنكار في الأوساط السياسية والإعلامية الإسبانية، التي اعتبرتها دليلاً صارخاً على “الهشاشة” و”الخوف من مواجهة الرأي العام”.
دبلوماسيون داخل الخارجية الإسبانية اعترفوا بأن الاتفاقيات والتفاهمات التي ستُعلن اليوم “قد يعرفها الإسبان عبر الرباط قبل مدريد”، وهو تصريح يلخص حجم الارتباك.
الصحراء المغربية ستكون حاضرة، لكن خلف أبواب مغلقة. الأوساط السياسية في مدريد تؤكد أن مناقشة الملف ستجري ضمن دائرة ضيقة، وبأدنى قدر من الإفصاح، خشية تفجّر التناقضات داخل التحالف الحكومي.
ويأتي هذا في وقت يعيش فيه الملف تحوّلاً جديداً على مستوى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من العواصم المؤثرة، ما يكرّس ريادة المقترح المغربي للحكم الذاتي كإطار جدي وحيد للحل، وهو تطور يضغط على سانشيز داخلياً، خصوصاً بعد الانتقادات القوية من مجلس الشيوخ الإسباني.
داخل سبتة ومليلية المحتلتين، يسود تخوف متنامٍ من أن تكون المدينتان ضمن توازنات استراتيجية جديدة بين الرباط ومدريد. سكان المدينتين يتابعون بقلق التقارب القوي بين المغرب وإسبانيا، ويخشون أن تُدار ملفات حساسة تخص مستقبل الثغرين دون إشراكهم أو إبلاغهم، خصوصاً بعد مواقف برلمانية حديثة اعتبرت أن “المغرب لاعب أساسي لا يمكن تجاهله”.
بالمقارنة مع قمة الرباط العام الماضي، تظهر الهوة بوضوح:
قمة الرباط كانت واسعة التمثيل.
شهدت حضور وزراء من الصف الأول.
وفتحت المجال للصحافة والأسئلة والاستجوابات.
أما اليوم، فتبدو مدريد وكأنها تدير قمة تحت الضغط، تحاول فيها تجنب الإحراج أكثر من دفع التعاون إلى الأمام.
يدخل المغرب الاجتماع من موقع قوة: سياسة خارجية متزنة، رؤية واضحة تجاه الجوار الأوروبي، واستراتيجية جنوب–شمال أسستها المملكة على قاعدة الندية والتعاون المتوازن.
في المقابل، تبدو حكومة سانشيز منشغلة بترميم صورتها الداخلية وتسكين الخلافات بين مكوّناتها. وبينما يتردد الخطاب الرسمي الإسباني في الإعلان عن مواقفه بوضوح، تبرز الرباط كطرف يمتلك موقفاً استراتيجياً ثابتاً ورؤية طويلة المدى للعلاقات الثنائية.
وتكشف قمة مدريد هذه أن المغرب يدخل مرحلة جديدة من علاقاته مع إسبانيا، عنوانها:
شراكة تُدار بالعقل الاستراتيجي… لا بمنطق المجاملة أو الخشية من الرأي العام.
04/12/2025