kawalisrif@hotmail.com

مايوركا :     الحكم ببراءة الداعية الناظوري طارق بنعلي … عندما تعجز الأدلة عن رسم حدود الإرهاب في إسبانيا

مايوركا : الحكم ببراءة الداعية الناظوري طارق بنعلي … عندما تعجز الأدلة عن رسم حدود الإرهاب في إسبانيا

في قلب جزيرة مايوركا الإسبانية  أسدل الستار على فصل طويل من الجدل القضائي، بعد أن أعلنت المحكمة الوطنية عن براءة ستة متهمين من تهم تشكيل خلية إرهابية والانخراط في نشاطات داعمة للإرهاب. القرار جاء بعد أن ثبت أن هؤلاء، رغم تعاطفهم مع أفكار الدولة الإسلامية، لم يكونوا يسعون فعليًا لارتكاب أي أعمال إرهابية، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول الحد الفاصل بين الفكر المتطرف والعمل الإرهابي الفعلي.

الملفات المقدمة أمام المحكمة كانت مثيرة للانتباه، تضمنت مقاطع فيديو وصفها القضاة بأنها صادمة ومثيرة للجدل، يظهر فيها المتهم المعروف باسم طارق الشدريوي بنعلي، الناظوري سليل بني سيدال، وهو يشرح عملية “تجنيد” شخصية افتراضية اسمها توفيق وإرسالها إلى سوريا، بمشاركة باقي المتهمين. المحكمة أكدت أن الفيديوهات لم تحث أحدًا على الانضمام للجماعات المسلحة، بل كانت أقرب إلى سلسلة تعليمية ذات طابع ديني، تؤكد على الالتزام بالقيم الدينية والعناية بالمسنين، بعيدًا عن العنف والإرهاب.

كما أظهرت التحقيقات أن المتهمين استخدموا الإنترنت للوصول إلى محتوى متطرف، لكن المحكمة شددت على أن المجرد الاطلاع على المعلومات لا يُعد جريمة. القانون الإسباني، وفق ما أوضحته المحكمة، يفرض إثبات نية تنفيذ فعل إرهابي أو توجيه الآخرين نحو العنف قبل أي حكم قضائي. وبالتالي، ما قام به المتهمون يقع ضمن حدود حرية التعبير الدينية والفكرية، وليس ضمن الأعمال الإجرامية.

الادعاء العام كان قد طالب بسلسلة عقوبات صارمة تصل إلى ثماني سنوات سجناً وغرامات مالية باهظة، معتبرًا أن المتهمين شاركوا في “تلقين ديني إرهابي” و”توجيه الآخرين”. غير أن المحكمة فضلت تفكيك الرواية الإعلامية عن الحقيقة القضائية، وأكدت أن القوانين الإسبانية تتطلب أدلة ملموسة على خطورة الأفعال قبل إصدار أي أحكام.

القضية أثارت جدلاً واسعًا على مستوى الرأي العام الإسباني، وفتحت نقاشًا ساخنًا حول الفرق بين الفكر المتطرف والعمل الإرهابي الفعلي، كما أبرزت تحديات القضاء في التعامل مع الجرائم الفكرية والإيديولوجية، وضرورة التمييز بين التحريض المباشر على العنف والتعبير عن معتقدات شخصية، حتى لو كانت متطرفة.

هذه القضية تذكّرنا أن العدالة ليست دائمًا متوافقة مع الانطباعات الإعلامية، وأن المحاكم هي المكان الذي تُصنع فيه الحقيقة وفق الأدلة الدقيقة، بعيدًا عن الضوضاء السياسية أو الإعلامية. بين براءة المتهمين وبين مخاوف المجتمع من التطرف، يبقى السؤال الأكبر: كيف نوازن بين حرية الفكر والأمن الوطني؟

تحمل هذه القضية رسالة واضحة لكل المجتمعات، بما فيها المغرب، حول ضرورة الفصل الواضح بين التطرف الفكري والجرائم المادية، وبين الرأي الشخصي والأفعال التي تهدد السلام العام، لتكون دعوة صريحة للحكمة القانونية والرصانة في التعاطي مع الإعلام والقضاء على حد سواء.

06/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts