يدخل المغرب، ابتداءً من يوم غد الإثنين 8 دجنبر 2025، مرحلة جديدة في إصلاح منظومته القضائية مع شروع القانون الجديد للمسطرة الجنائية في التطبيق، في واحدة من أوسع المراجعات التشريعية التي يشهدها القطاع منذ عقود. ويأتي هذا الإصلاح استجابةً لتحولات المجتمع المغربي وتزايد الحاجة إلى عدالة فعّالة، متوازنة، وقادرة على حماية الحقوق دون المساس بصرامة القانون.
القانون الجديد يعيد تشكيل مسار العدالة الجنائية من لحظة وضع الشكاية إلى غاية تنفيذ العقوبة، اعتماداً على ثلاثة مرتكزات محورية: تعزيز حقوق الدفاع، تحديث أساليب العمل القضائي، وتقوية آليات مكافحة الجريمة العصرية.
وضع المشرّع المغربي المتقاضي في صلب الإصلاح، خاصة المشتبه فيهم، عبر حزمة من الضمانات التي ترفع من مستوى الشفافية والرقابة.
فقد أصبحت النيابة العامة ملزمة بإشعار المشتكين بمآل شكاياتهم داخل أجل 15 يوماً، مع تمكين المتضررين من قرار الحفظ من تقديم تظلّم لدى الوكيل العام للملك. وتمت تقوية دور المحامي بشكل غير مسبوق، حيث بات مسموحاً له حضور الاستنطاق أمام النيابة العامة وتقديم طلبات الفحص الطبي والوثائق وتسجيل الملاحظات بعد انتهاء البحث التمهيدي.
كما فرض القانون معايير مشددة للجوء إلى الحراسة النظرية، باعتبارها تدبيراً استثنائياً لا يُعتمد إلا في ست حالات دقيقة، منها الحفاظ على الأدلة ومنع فرار المشتبه فيه. واعتمد المشرّع سجلاً وطنياً إلكترونياً للحراسة النظرية يخضع لمراقبة قضائية دائمة، مما يحد من أي تعسف محتمل.
وتم تكريس حقوق أساسية للمشتبه فيه، أبرزها الحق في الصمت وعدم اعتبار الامتناع عن الكلام اعترافاً، إضافة إلى الحق في الاتصال بالمحامي منذ الساعة الأولى للاحتفاظ، باستثناء حالات ترتبط بجرائم خطيرة.
أما الاعتقال الاحتياطي، فقد شدد القانون شروطه، بحيث لا يُلجأ إليه إلا بقرار معلل ولمدة لا تتجاوز شهراً قابلاً للتمديد مرة واحدة فقط في قضايا الجنح، مع فتح باب الطعن أمام هيئة قضائية تنظر في الأمر استعجالياً.
كما وسّع القانون حق الدفاع في الاطلاع على الملفات والحصول على نسخ دون قيود إلا في القضايا الحساسة، مع جعل الفحص الطبي إلزامياً في حالات الاشتباه أو بطلب من الدفاع، وإبطال أي اعتراف يُنتزع دون إجراء هذا الفحص.
وتماشياً مع الورش الوطني للتحول الرقمي، أدخل القانون الجديد أدوات حديثة لتسريع المساطر وتخفيف العبء على المحاكم.
فقد توسعت مسطرة الصلح لتشمل جنحاً عديدة مثل النصب وخيانة الأمانة والعنف الخفيف والشيكات بدون مؤونة، شريطة موافقة الأطراف. كما بات ممكناً إيقاف تنفيذ العقوبة بعد صدور الحكم النهائي في حال تنازل الضحية وأداء الغرامات والمصاريف، في خطوة تروم تجنيب السجون ملفات لا تمثل خطراً اجتماعياً كبيراً.
على المستوى التقني، أقر القانون اعتماد المحاضر الإلكترونية والتوقيع الرقمي، وتسجيل الجلسات رقمياً وإفراغها في محاضر لها حجية قانونية، مع إمكانية الاستماع عن بعد للمتقاضين أو الشهود عندما تقتضي الظروف ذلك.
ولأن الجريمة تتطور بتطور الوسائل، منح القانون النيابة العامة آليات أكثر فعالية في مواجهة الجرائم المعقدة، خاصة المالية والمعلوماتية.
فأصبح بإمكانها طلب تجميد أو حجز الممتلكات المرتبطة بأنشطة إجرامية، وإجراء أبحاث مالية موازية لتتبع مصادر الأموال. كما تم توسيع نطاق اللجوء إلى الخبرة الجينية، وتحليل البيانات الرقمية، والولوج إلى الأنظمة المعلوماتية وفق ضوابط قضائية محكمة.
وتبرز آلية الاختراق كأحد أهم المستجدات، حيث تسمح لضابط الشرطة القضائية بالتظاهر بالمشاركة في أنشطة إجرامية بغرض تفكيك شبكات الاتجار بالمخدرات والإرهاب وغسل الأموال، مع تقنين صارم لهذه العملية لضمان عدم تجاوز حدود القانون.
كما تم تنظيم مسطرة التحقق من الهوية بشكل دقيق، مع تحديد سقف زمني لا يتجاوز 8 ساعات قابلة للتمديد، إلى جانب إمكانية أخذ البصمات الجينية بإشعار النيابة العامة.
بهذا القانون، يخطو المغرب خطوة حاسمة نحو تأهيل منظومته الجنائية بما يتماشى مع المعايير الحديثة، في توازن دقيق بين حماية الحقوق وتحصين الأمن القضائي. ورغم أن التطبيق سيتطلب وقتاً وتنسيقاً بين مختلف الفاعلين، إلا أن هذا الورش التشريعي يعكس إرادة وطنية واضحة في جعل العدالة أكثر قرباً وفعالية .
07/12/2025