تعيش هولندا هذه الأسابيع على وقع جمود سياسي غير مألوف، بعدما أعلن المكلّف بتشكيل الحكومة، سيبراند بوما، أن مفاوضات تشكيل الائتلاف وصلت إلى طريق مسدود بالكامل. فبعد جولات طويلة من النقاشات، يتضح أن لا حكومة أغلبية قابلة للولادة، ولا حتى حكومة أقلية تمتلك الحد الأدنى من الشروط الضرورية للاستمرار.
جوهر الأزمة الهولندية اليوم يكمن في الرفض المتبادل بين أهم الأحزاب.
فحزب VVD بقيادة ديلان يسيلغوز يتمسّك بموقف حاسم برفض أي تحالف يضم حزب GL-PvdA، انسجامًا مع رسائل ناخبيه. وبالموازاة مع ذلك، يرفض حزب JA21 الانضمام إلى حكومة تشارك فيها الجبهة اليسارية، ما يجعل أي صيغة تضم الطرفين محكومة بالفشل قبل أن تُولد.
أما حزب D66، فرغم تجنّبه استعمال لغة “الفيتو”، إلا أنه يعبّر عن “تحفظات شديدة” تجاه التعاون مع JA21، بالنظر إلى التباعد الكبير بين برامجهما. وحتى في حال تمكّنت بعض الأحزاب من تجاوز خلافاتها، فإن ضمان أغلبية داخل مجلس الشيوخ يبقى تحديًا شبه مستحيل.
الحسابات الرقمية تشير إلى أن التحالف القادر نظريًا على تكوين أغلبية في غرفتي البرلمان يضم:
D66 – CDA – VVD – GL-PvdA – JA21.
لكن هذا السيناريو يبقى مجرد فرضية فوق الورق فقط، لأن ثلاثة من هذه الأحزاب ترفض الجلوس مع بعضها، ما يجعل الائتلاف، سياسيًا، غير قابل للتحقق.
الرهان على حكومة أقلية لم يكن أفضل حالًا. فزعيم GL-PvdA جيسي كلافر أعلن بوضوح رفضه دعم أي حكومة أقلية، خصوصًا إذا كانت بقيادة حزب VVD، معتبرًا أن ذلك سيكون بمثابة “مكافأة على سياسة التعطيل”. ومع غياب دعم برلماني كافٍ، تصبح القدرة على تمرير القوانين شبه معدومة.
في خضم هذه التعقيدات، دعا سيبراند بوما الأحزاب إلى “التحرك قبل أن يصل الوضع إلى شلل كامل”، مشيرًا إلى أن الأيام المقبلة ستعرف اتصالات مكثفة بحثًا عن صيغة جديدة ولو كانت “خارج الصندوق”. غير أن المراقبين يعتقدون أن تجاوز الجدار السياسي القائم سيحتاج تنازلات مؤلمة من أكثر من طرف.
تقف هولندا اليوم أمام واحدة من أعقد جولات تشكيل الحكومة في تاريخها السياسي الحديث. فالشارع ينتظر انفراجة قد تأتي… وقد لا تأتي، بينما تترقب أوروبا بشيء من القلق مآلات هذا الانسداد داخل واحدة من أهم ديمقراطياتها.
07/12/2025