kawalisrif@hotmail.com

يولاندا دياز المعادية للمملكة تمنح دفعة للمغرب: إعادة تثقيف التلاميذ حول “الماضي الاستعماري الإسباني”

يولاندا دياز المعادية للمملكة تمنح دفعة للمغرب: إعادة تثقيف التلاميذ حول “الماضي الاستعماري الإسباني”

حين تُعيد السياسة الإسبانية فتح دفاتر التاريخ، تبرز مبادرة حزب “سومار” بين القراءة المتوازنة وحساسيات الذاكرة المشتركة مع المغرب، إذ يؤكد الحزب أن الريف كان “مدرسة الحرب” للعسكريين الأفريقانيين مثل فرانكو ومولا، ويحمل إسبانيا مسؤولية “التهميش الاقتصادي والاجتماعي” الذي عاشته منطقة الريف.

وقدّم حزب سومار، الذي تتزعمه نائبة رئيس الحكومة الإسبانية يولاندا دياز والمشارك في حكومة بيدرو سانشيز، مقترحًا جديدًا يهدف إلى إعادة النظر في كيفية تدريس التاريخ المتعلق بالفترة الاستعمارية الإسبانية في المغرب، في خطوة وصفها بعض الصحف الإسبانية بـ “منح دعم إضافي للمغرب”، ما أثار نقاشًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية.

المقترح، القانوني وغير الملزم، الذي وقّعت عليه نائبتا الحزب فيفياني أوغو وآينا فيدال، يسعى إلى “إحياء الاستعمار الإسباني في المغرب ونشر الذاكرة التاريخية المرتبطة به”، مع التركيز على تدريس الأحداث التاريخية من منظور نقدي يحترم حقوق الإنسان. ويطالب المقترح بإدراج الفترة الاستعمارية ضمن المناهج الدراسية في الثانوي والبكالوريا، والاعتراف بها ضمن “الذاكرة الديمقراطية لإسبانيا”، اعتمادًا على معايير الحقيقة والعدالة وجبر الضرر، من خلال تنظيم أنشطة تعليمية وتاريخية مناسبة.

كما يروم تعزيز الوعي بالملفات البارزة مثل حرب الريف، معركة أنوال، معركة الحسيمة، واستخدام الأسلحة الكيماوية، وهي قضايا ظلت لعقود موضوع نقاش أكاديمي وانتقادات حقوقية داخل إسبانيا. ويشدّد حزب سومار على أهمية تدريس حرب الريف (1921–1926) بوصفها حربًا طويلة وباهظة الثمن، أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 25 ألف جندي إسباني، معظمهم من الطبقات الفقيرة الذين جرى تجنيدهم قسريًا، كما يؤكد على الآثار المدمرة على السكان المدنيين الريفيين، بما في ذلك القصف الجوي العشوائي على القرى والأسواق والحقول، واستخدام الأسلحة الكيميائية مثل غاز الخردل، رغم حظرها بموجب اتفاقية لاهاي.

ويشمل المقترح كذلك تدريس معركة أنوال ومعركة الحسيمة في 8 شتنبر 1925، التي اعتُبرت أول عملية إنزال جوي–بحري واسعة في التاريخ الحديث، وأسفرت عن هزيمة “جمهورية الريف” ونفي قائدها. ورغم أن المبادرة جاءت في إطار نقاش داخلي إسباني، اختارت بعض المنابر اليمينية، وعلى رأسها أوكادياريو، تقديم الموضوع بصيغة مثيرة توحي وكأن الحزب “يعطي أجنحة” للمغرب أو ينخرط في “تبييض” الرواية المغربية، وهو ما يعكس مرة أخرى حساسية بعض وسائل الإعلام الإسبانية تجاه المغرب، إذ تُستغل أي خطوة سياسية داخلية لإحياء خطاب التخويف من “النفوذ المغربي” أو “الضغط الخارجي”.

لكن قراءة موضوعية تظهر أن المقترح لا يهدف لخدمة المغرب، بل يندرج ضمن سياق إسباني صرف، مرتبط بتوسيع تدريس الذاكرة الاستعمارية لإسبانيا في العالم، من الفلبين إلى الصحراء وإفريقيا. وتؤكد الوثيقة على ضرورة تدريس الكلفة البشرية لحرب الريف، قصف المدنيين، التجنيد الإجباري للفقراء الإسبان، ودور الحرب في صعود الضباط “الأفريقانيستاس” مثل فرانكو ومولا، وهي قضايا أثارت اهتمام الجامعات الإسبانية منذ سنوات، لأن حرب الريف تبقى أحد أبرز الأحداث التي أثرت في مسار الدولة الإسبانية وأحد جذور حربها الأهلية.

ومن هذا المنطلق، فمقترح “سومار” لا يقدّم خدمة للمغرب، بل يسعى لمواجهة ماضي إسبانيا مع ذاتها، خاصة تلك الفترات التي ظلت خارج النقاش العام. ومن جانب مغربي، تُقرأ مثل هذه المبادرات بعين برود، إذ راكم المغرب خلال العقود الأخيرة مقاربة متوازنة في التعامل مع الذاكرة المشتركة، تقوم على احترام التاريخ، تجنّب توظيفه في التوترات، تعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، دعم الحوار الأكاديمي حول المرحلة الاستعمارية، والانفتاح على البحث العلمي والاعتراف المتبادل بالماضي.

ومنذ دستور 2011، رسّخ المغرب مبدأ الإنصاف والمصالحة في تدبير ماضيه الداخلي، مما جعله يتعامل بإيجابية مع أي مراجعة تاريخية تقوم بها دول أخرى. وختامًا، وبعيدًا عن الإثارة الإعلامية، فإن إدراج هذه المرحلة التاريخية في المناهج الإسبانية قد يُساهم، إذا طُبّق بعقلانية، في تعزيز فهم أعمق للعلاقات المغربية–الإسبانية، تجاوز الصور النمطية التي يتغذى عليها اليمين المتطرف، بناء ذاكرة مشتركة قائمة على الحقيقة، ودعم الحوار الثقافي بين الضفتين. فالذاكرة المشتركة ليست عبئًا كما يحاول البعض تصويرها، بل رصيد يمكن تحويله إلى جسر للتفاهم والتعاون، شرط أن يُقرأ بعيدًا عن ضوضاء الدعاية السياسية.

08/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts