في تحرّك غير معلَن حمل رسائل مبطّنة، قاد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بنفسه فور وصوله إلى مدينة الناظور، ليتلة أمس الاثنين سيارة ، في جولة ميدانية ليلية .
الوزير الذي نزل بفندق «مارتشيكا ريزورت» بمنتجع أطاليون، خرج بعد دقائق قليلة من وصوله في سيارة غير بروتوكولية، رفقة عامل الإقليم جمال الشعراني، وشخصيات ثالث ، متوجهاً إلى مسار مدروس ومحسوب بدقة، شمل أهم المحاور الحضرية والمواقع الاستراتيجية والاقتصادية الحساسة بالمدينة .
هذه الجولة، التي دارت في الظلام وبإيقاع سريع، حملت بصمة رجل يعرف المنطقة حق المعرفة. فلفتيت، الذي سبق أن شغل منصب عامل الناظور بداية مساره الإداري، عاد إلى الإقليم وهو يعرف كل زاوية، وكل طريق، وكل نقطة ضعف وقوة. لذلك بدت تحركاته حاسمة، مباشرة، وتوحي بأن الأمر أكبر من مجرد “تفقد عابر”.
اختار لفتيت أن يقود شخصياً مسار الجولة، دون ترك المهمة لأي مسؤول محلي أو مرافق بروتوكولي. خطوة غير معتادة في زيارات الوزراء، لكنها تعكس حجم الملف الذي جاء من أجله :
قراءة ميدانية مباشرة … قبل رفع تقرير سيحمل تفاصيل دقيقة إلى صاحب الجلالة.
الوزير، المعروف بلقبه القديم بالناظور “التراكس”، أعاد خلال الجولة فحص نقاط الضغط الكبرى: المشاريع المتعثرة، خصوصا في منطقة نفوذ مارتشيكا، والمحاور الطرقية، البنيات اللوجستية، المناطق الحدودية، وضعية الأنشطة الاقتصادية بعد إغلاق المعابر، وتأثير الانكماش على الاستقرار الاجتماعي.
مصادر خاصة أكدت أن عامل الإقليم جمال الشعراني حرص على ترتيب الملفات والأوراش المفتوحة، وتقدّم بسلسلة مقترحات عاجلة للوزير، بعضها ظل معلقاً لسنوات، وبعضها يحتاج قراراً مركزياً للحسم فيه.
الجولة الليلية أكدت أن الوزارة بصدد تقييم شامل للوضع، استعداداً لمرحلة جديدة عنوانها:
دفع الاستثمار المنتج
القطع مع الاقتصاد غير المهيكل
تنشيط الدورة الاقتصادية خارج الأنشطة الرمادية
معالجة أزمة البطالة والهشاشة
توفير بدائل للشباب الذي يغامر بحياته في المتوسط
تحركات لفتيت لم تكن بروتوكولية… بل أشبه بعملية “تمشيط استخباراتي” قبل اتخاذ قرارات حاسمة.
في المقابل، كانت سلطات الاحتلال في مليلية وعاصمتها مدريد تتابع — ولو من بعيد — خط سير الوزير المغربي بدقة. تحركات الوزير وتوقيتها وتصاعد وتيرة الاستثمارات بالمحيط الحدودي عززت القناعة بأن الرباط تعيد ترتيب موازين القوى شرق المملكة، ما وضع الثغر المحتل في حالة ارتباك واضح.
دوائر القرار هناك تتابع الزيارة كمن ينتظر “ماذا سيلي هذا التحرك؟”.
الجولة التي “سرقت النوم” من أعين المسؤولين المحليين لم تكن مجرد تفقد ليلي، بل مشهداً هيتشكوكي الإيقاع:
سيارة تتحرك في العتمة، وزير يعرف كل زاوية في المدينة، عامل يرافق الخطوات بنبض متسارع، ومواقع استراتيجية تُعاين بتركيز جراحي.
كلّ المؤشرات توحي بأن لفتيت كان بصدد صياغة تقرير ساخن ومفصلي سيُرفع مباشرة إلى صاحب الجلالة، استعداداً لقدوم ملكي مرتقب لتدشين ميناء “تيتين المتوسط”… الميناء الذي يصفه الكثيرون بـ”الميناء الشبح” بحكم غياب أي ظهور إعلامي كبير له رغم ضخامته الاستراتيجية.
زيارة قصيرة في الزمن… لكنها طويلة في الدلالات، وتفتح للناظور مرحلة قد تقلب المعادلة كلها، وتعيد الإقليم إلى خريطة القوة بدل الهامش.
09/12/2025