أعادت عودة لبنى محمد ميلودي إلى سبتة المحتلة الجدل حول التعاطي الإسباني مع ملف التطرف داخل المدينة، بعد وصولها إلى الثغر المحتل عقب أكثر من عشر سنوات قضتها بين مناطق تنظيم “داعش” ومخيمات الاحتجاز الكردية في شمال سوريا. وتم ترحيلها يوم 25 نونبر عبر طائرة عسكرية إسبانية أقلعت ليلاً من الأراضي السورية في عملية مشتركة بين مدريد وواشنطن، قبل أن تحطّ في قاعدة توريخون قرب العاصمة الإسبانية.
لبنى، التي غادرت سبتة سنة 2014 عبر إسطنبول قبل دخول سوريا وعقدزواج النكاح بالفاتحة من مقاتل فرنسي قُتل في غارة جوية ، ومن ثم تناوب عليها جنسيا مقاتلين آخرين بإسم جهاد النكاح … كان يرافقها خلال هذه السنوات ابنها عبد الرحمن الذي وُلد داخل مخيمي الهول وروج وسط ظروف قاسية وبيئة يطغى عليها التطرف والعنف.
وفور وصولها إلى مدريد، أوقفتها الشرطة الوطنية ثم أحالتها على المحكمة الوطنية، التي قررت الإفراج عنها مؤقتاً تحت الرقابة القضائية، فيما وُضع طفلها تحت رعاية المؤسسات المختصة بحماية الطفولة قبل أن يُسلَّم لجديه القادمين من سبتة. وبينما يؤكد محاميها أنها لم تكن “منتمية تنظيمياً”، ترى الأجهزة الأمنية الإسبانية أنها عادت وهي تحمل نفس الأفكار المتشددة، مستشهدة بظهورها في شوارع سبتة بالنقاب نفسه الذي ارتدته داخل مناطق سيطرة “داعش”. كما يُخضع القضاء ابنها لفحص الحمض النووي (ADN) بعد وصوله دون وثائق رسمية.
مصادر قضائية ودبلوماسية إسبانية كشفت أن عملية إعادتها نُفذت بدقة لوجستية عالية، إذ أقلعت الطائرة في حدود الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وذلك بعد تأجيل سابق سنة 2023 بسبب إصابة ابنها بمرض ناتج عن لسعة حشرة، ما استدعى نقله إلى مستشفى خارج المخيم وجعلها تفوّت رحلة الإعادة السابقة.
وفي سياق متصل، أعلن البرلماني الأوروبي السابق خافيير نارت أنه لعب دوراً مباشراً في تحديد مكانها داخل مخيم روج، واصفاً المخيم بأنه “معسكر اعتقال” نظراً لظروفه المأساوية، قبل أن ينقل الإحداثيات الدقيقة لوجودها إلى وزارتي الخارجية والدفاع في مدريد لتسهيل عملية الترحيل.
وتطرح عودة لبنى إلى سبتة المحتلة أسئلة أمنية حساسة داخل المدينة التي تُعدّ — وفق تقديرات الأجهزة الإسبانية — إحدى أكثر النقاط هشاشة في ملف التطرف، بحكم قربها من الحدود المغربية ووجود شبكات تهريب البشر والتنظيمات المتشددة. كما تعيد هذه القضية إلى الواجهة ازدواجية تعامل مدريد مع العائدين من مناطق النزاع، مقابل بطء معالجة الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي تخص أبناء المدينة من أصل مغربي.
إنها قضية تتجاوز بعدها الإنساني والقضائي لتبرز حجم التوتر الأمني داخل سبتة المحتلة، وتفتح نقاشاً جديداً حول قدرة الدولة الإسبانية على إدارة هذا النوع من الملفات الحساسة في مدينة لطالما مثلت نقطة تماس سياسي وأمني مع المغرب.
09/12/2025