في مشهد يختزل حالة الارتباك التي يعيشها المركز الجهوي للاستثمار بالجهة الشرقية، عُقد عشية يومه الخميس 11 دجنبر الجاري، بمدينة الناظور اجتماع يفترض أنه مخصص لعرض آليات وسياسة الدعم الموجّهة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة. اجتماع قاده مسؤول المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشرق ، شكلا ، تحوّل، بشكل غريب ومستفز، إلى جلسة تحكّم مطلق لشخص لا يحمل أي صفة رسمية.
فقد فوجئ الحاضرون بكون محمد أمين الفاطمي، الأمين الجهوي للاتحاد العام لمقاولات المغرب بوجدة، المحاسباتي المعروف، هو الوحيد الذي يتحدث ويقدّم ويجيب ويقترح… وكأنه المسؤول الفعلي عن الاستثمار بالجهة الشرقية.
بينما ظلّ الرامي رشيد مدير المركز الجهوي للاستثمار، وإن كان إدارياً يصنف بالنيابة ، شبه جامد في كرسيه ، وكأن دوره لا يتجاوز ملء الفراغ في الصورة.
الأغرب من ذلك أنّ حضور الفاطمي لم يكن مجرد مبادرة شخصية، بل جاء بطلب من مدير المركز الجهوي للإستثمار ، في خطوة تثير أكثر من علامة استفهام حول من يدير فعلاً هذا القطاع الحيوي بالجهة ، ومن يمنح لنفسه حق التفويض خارج أي إطار قانوني.
ومنذ انتقال المدير السابق محمد صبري إلى جهة فاس–مكناس، تعيش الإدارة الجهوية للاستثمار بالشرق حالة فراغ مهول. فراغ تحوّل إلى باب مشرّع أمام المتلاعبين والانتهازيين الذين أصبحوا يتحكمون في كل شيء داخل المركز، في غياب قيادة واضحة ومساءلة فعلية.
إن افتقار الجهة لمدير محنك ذي كاريزما عطّل قطار الاستثمار بالشرق، الذي يبدو اليوم متعثراً مثل قطار الصحراء المناسباتي ببوعرفة… بطيء، غير منتظم، ويجرّ خلفه اختلالات لا تنتهي.
فهل يعلم وزير الاستثمار كريم زيدان بحجم العبث ، وبما يقع داخل المركز الجهوي للاستثمار بالشرق؟
أم أن اللوبيات التي فرضت سيطرتها باتت أقوى من الهياكل الرسمية؟
بعد التوجيهات الملكية السامية الداعية لإصلاح جذري في سياسات الاستثمار، واعتماد الميثاق الجديد للاستثمار بنظامي الدعم الأساسي والدعم الخاص بالمشاريع الاستراتيجية، كان من المفروض أن يتحول المركز الجهوي للاستثمار إلى قاطرة حقيقية للتنمية.
الميثاق الجديد وضع المقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة في قلب الاهتمام الوطني، باعتبارها محركاً أساسياً لخلق فرص الشغل وتحريك الاقتصاد المحلي. لكن، في الجهة الشرقية، يبدو أن اللوبيات والانتهازيين اختطفوا هذه القاطرة، وحوّلوا الاجتماعات الرسمية إلى ساحات نفوذ شخصية.
وفي الوقت الذي أطلقت فيه الوزارة قوافل جهوية لشرح آليات الدعم وتعزيز التواصل مع المستثمرين، كان يُفترض أن يشكّل اجتماع الناظور جزءاً من هذا المسار الوطني المنظم.
لكن ما وقع لم يكن سوى مشهد ارتجال وفوضى، كشف بوضوح أن الجهة الشرقية تحتاج، قبل الترويج للاستثمار، إلى ترميم بيتها الداخلي وإعادة الأمور إلى نصابها.
إن ما وقع بمحطة الناظور ليس حدثاً عادياً، بل جرس إنذار يؤكد أن الاستثمار بالجهة الشرقية أصبح ملفاً بدون سائق ولا مشغّل للقطار، في انتظار تعيين مدير قادر على وضع حدّ للفوضى وإعادة المركز الجهوي للاستثمار إلى مساره الطبيعي.
11/12/2025