حلّ أول أمس ، رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، مرفوقًا بعدد من وزرائه، ضيفًا على إقليم الناظور، في زيارة ذات طابع سياسي-حزبي، تزامنت مع انعقاد اللقاء الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار بمدينة سلوان ، منتصف نهار أمس السبت … زيارة كان يُفترض أن تُشكّل حدثًا سياسيًا بارزًا في منطقة مثقلة بالانتظارات التنموية، لكنها مرّت، وفق مصادر متطابقة، مرور العابرين، دون أن تترك أثرًا يُذكر في الشارع المحلي أو الجهوي.
فباستثناء كلمة قصيرة وصور بروتوكولية داخل قاعة مغلقة، ألقى أخنوش خطابه ثم غادر على عجل، في مشهد شبّهه متتبعون بـحمامة حطّت لالتقاط الحبوب والتهمتها سريعًا ثم حلّقت بعيدًا، دون أن تتكبّد عناء البقاء، أو الإصغاء، أو الاحتكاك بالواقع اليومي للمدينة وساكنتها. حضور خاطف، وكأن الزيارة أُدرجت في جدول مزدحم لا يحتمل التوقف عند هموم الناظور.
لم تكن الزيارة حديث المقاهي، ولا مادة نقاش في الصالونات السياسية أو المجتمعية، كما لم تشهد منصات التواصل الاجتماعي أي تفاعل يُذكر. حتى مدينة سلوان، التي احتضنت اللقاء الجهوي، بدت وكأنها خارج التغطية السياسية: لا تعبئة شعبية، لا حماس، ولا حتى فضول.
في المقابل، وعلى قبل 3 أيام فقط، جاءت زيارة وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، إلى الناظور على النقيض تمامًا. زيارة لم تُختزل في خطاب، ولم تنتهِ بمغادرة سريعة، بل كانت حضورًا ميدانيًا كثيفًا لرجل دولة يُدرك أن السلطة تُمارَس بالفعل لا بالكلمات.
جولات ليلية وسط شوارع الناظور والمناطق المجاورة ، وقوف مباشر على المشاريع المنجزة والمتعثرة، تتبّع دقيق للأوراش المفتوحة، وحرص واضح على معرفة أسباب التعطيل بدل الاكتفاء بتقارير مكتبية. زيارة عزّزت لدى الساكنة صورة وزير يعمل ، وليس مجرد مسؤول يمرّ لالتقاط صورة ثم يختفي.
وزادت زيارة لفتيت وزنًا حين شملت ورش ميناء الناظور غرب المتوسط، المشروع الاستراتيجي الذي يُراهن عليه في إعادة رسم ملامح التنمية بالريف الشرقي، حيث حلّ الوزير مرفوقًا بوفد وزاري ، في رسالة سياسية واضحة مفادها أن الدولة حاضرة بثقلها عندما يتعلق الأمر بالرهانات الكبرى.
ما جرى في الناظور يبعث برسالة غير مكتوبة مفادها أن الشارع لم يعد يتأثر بالخطب الجاهزة، ولا بالزيارات الخاطفة، ولا بالرموز الحزبية حين تغيب عنها الجدية والإنصات. الساكنة تريد مسؤولًا ينزل إلى الشارع، لا رئيس حكومة يُلقي الكلمة ويغادر كما جاء.
الناظور لا يبحث عن حمائم موسمية، بل عن مسؤولين يمكثون، يُصغون، ويشتغلون.
وفي مدينة خبرت الوعود المؤجَّلة، لم يعد الصمت علامة رضا، بل لغة احتجاج باردة.
14/12/2025