kawalisrif@hotmail.com

البدء في إنجاز نفق مضيق جبل طارق في 2027 … رهان عابر للقارات باستثمار يفوق 8.5 مليارات يورو بين المغرب وإسبانيا

البدء في إنجاز نفق مضيق جبل طارق في 2027 … رهان عابر للقارات باستثمار يفوق 8.5 مليارات يورو بين المغرب وإسبانيا

خلصت دراسة الجدوى التي أنجزتها الشركة الألمانية هيرنكنيشت، الرائدة عالميًا في صناعة آلات حفر الأنفاق، بتكليف من الشركة الإسبانية لدراسات الربط القار عبر مضيق جبل طارق (سيغيسا)، إلى أن إنجاز نفق سككي تحت مضيق جبل طارق يربط أوروبا بإفريقيا يُعد ممكنًا تقنيًا بالاعتماد على الإمكانات الهندسية والتكنولوجية المتوفرة حاليًا.

وحسب التقرير، الذي بلغت كلفة إنجازه 296.400 يورو، فإن المرحلة الأولى من المشروع—وتشمل نفقًا استكشافيًا لأغراض التعرف الجيولوجي—قد تمتد ما بين ست وتسع سنوات، فيما يُتوقع أن تتجسد أبرز محطات المشروع ضمن أفق زمني واقعي يتراوح بين 2035 و2040. وتُقدَّر الكلفة الإجمالية للبنية التحتية بأزيد من 8.500 ملايير يورو، تشمل النفق الاستكشافي، والأنفاق النهائية، والمحطات، والتجهيزات التقنية واللوجستية المصاحبة.

ويركّز التقرير على قابلية الإنجاز في المقاطع الأكثر تعقيدًا جيولوجيًا، لاسيما بمنطقة عتبة كامارينال، التي تُعدّ الحلقة الأكثر حساسية في مسار الحفر، بسبب طبيعة التكوينات الصخرية المعقدة من نوع الفليش، والتحديات المرتبطة باستعمال آلات الحفر العملاقة تي بي إم. ويأتي هذا التطور في سياق إعادة إحياء المشروع منذ سنة 2023، بعد عقود من الدراسات التقنية والتفاهمات الثنائية بين المغرب وإسبانيا.

ويرى خبراء هيرنكنيشت أن المشروع يشهد قفزة نوعية مقارنة بتقييمات سابقة، بفضل التطور الكبير في تقنيات الحفر والهندسة العميقة، غير أنهم يشددون في المقابل على الطابع الاستثنائي للمشروع، وما يطرحه من تحديات كبرى على المستويين اللوجستي والمالي، تتطلب تنسيقًا مؤسساتيًا عالي المستوى وإرادة سياسية طويلة النفس.

وفي هذا الإطار، أسندت سيغيسا إلى الشركة العمومية الإسبانية إينيكو مهمة استكمال تحيين التصور الأولي للمشروع، وهو ورش انطلق منذ سنة 2021 وقطع مراحل متقدمة. ومن المرتقب تسليم النسخة المُحدَّثة من التصور، المعروفة بـآبّي صفر سبعة (APP07)، في أجل أقصاه غشت 2026، لتكون أول صيغة متكاملة للمشروع منذ سنة 2007. وتشمل هذه المرحلة إعداد الدراسات التقنية الأساسية، من تصميم النفق الاستكشافي، ومراجعة المعطيات الجيولوجية والجيوتقنية، إلى معايير السلامة ومحطات العبور والبنيات التحتية المرافقة.

ويُقترح مسار بحري بطول يقارب 65 كيلومترًا، منها نحو 40 كيلومترًا داخل التراب الإسباني، مع محطة نهائية في فيخير دي لا فرونتيرا، وربط مباشر بالشبكة السككية الإسبانية عبر خط قادس – إشبيلية، إضافة إلى فرع نحو الجزيرة الخضراء. ويشمل المشروع كذلك ربطًا طرقيًا استراتيجيًا بالطريق الوطنية إن-340 والطريق السيار آ-48.

أما من الناحية التقنية، فسيُنجز النفق على شكل أنبوبين أحاديي المسار مخصصين لنقل المسافرين والبضائع، إضافة إلى نفق خاص بالخدمات والسلامة، على عمق قد يصل إلى 475 مترًا تحت سطح البحر، بما يسمح بقطع المسافة بين الضفتين في حوالي 30 دقيقة فقط.

وعلى الضفة الجنوبية، يندرج المشروع ضمن تنسيق وثيق بين سيغيسا ونظيرتها المغربية سنيد (الشركة الوطنية لدراسات المضيق)، في إطار شراكة استراتيجية تعكس الموقع المحوري للمغرب في الربط القاري بين أوروبا وإفريقيا. ويُرتقب إطلاق طلبات العروض الخاصة بالنفق الاستكشافي قبل سنة 2027، مع الاستفادة من تجارب دولية مماثلة، من بينها نفق روغفاست بالنرويج، إلى جانب دراسات زلزالية وتحليلات لقاع البحر بتعاون مع الهيئة الجيولوجية للولايات المتحدة.

وتؤكد المعطيات الرسمية أن مبلغ 8.5 مليارات يورو يخص الشق الإسباني فقط من المشروع، فيما يُنتظر أن يخضع الشق المغربي لترتيبات تمويلية وهندسية خاصة، في انسجام مع الرؤية الوطنية للبنيات التحتية الكبرى. كما تدرس مدريد آليات تمويل مشترك مع الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى موارد مستقبلية محتملة من الرسوم السككية، والخدمات اللوجستية، والربط الكهربائي، وتمديد الألياف البصرية.

ويطمح هذا المشروع الاستراتيجي إلى ربط مدريد بالرباط عبر السكك الحديدية، في خطوة من شأنها إعادة رسم خريطة التنقل والتبادل بين القارتين، وتعزيز موقع المغرب كبوابة إفريقية موثوقة لأوروبا، في سياق دينامية جيو-اقتصادية متسارعة، تجعل من نفق مضيق جبل طارق أكثر من مجرد بنية تحتية… بل مشروعًا حضاريًا عابرًا للزمن والحدود.

14/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts