kawalisrif@hotmail.com

دستور للتصدير لا للاستهلاك الداخلي: حين خصّصت الجزائر مادة دستورية لـ«استقلال الصحراء» فانقلب النص على صانعيه

دستور للتصدير لا للاستهلاك الداخلي: حين خصّصت الجزائر مادة دستورية لـ«استقلال الصحراء» فانقلب النص على صانعيه

مرة أخرى، تختار السلطة الجزائرية تحويل الدستور من وثيقة لتنظيم الشأن العام الداخلي، إلى منشور أيديولوجي موجَّه، خُصّصت فيه المادة 32، وفق تعبير الخطاب الرسمي الجزائري، لدعم ما يسمونه “استقلال الصحراء”، في قراءة انتقائية ومبتورة للقانون الدولي، لا تخدم سوى أطروحة انفصالية موجَّهة ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، والذي حاول تقديم قراءة تفسيرية لهذه المادة، زاعمًا أن هذا المقتضى الدستوري “لا يُطبَّق داخليًا”، يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية ومحرجة:

كيف يمكن لدولة أن تُقنّن مبدأ تقرير المصير وتربطه صراحة بملف خارجي محدد، ثم تدّعي حياده وكونيته؟
وأي منطق دستوري هذا الذي يُشرعن دعم النزعات الانفصالية خارج الحدود، بينما يجرّمها داخلها؟

المفارقة الصارخة أن الجزائر، التي تؤكد أن المادة 32 لا تمس وحدتها الترابية، هي نفسها التي تُجرّم أي حديث عن تقرير المصير داخل حدودها، وتتعامل مع المطالب الثقافية والهوياتية، خصوصًا في منطقة القبائل، بمنطق أمني صارم، قائم على القمع والتخوين بدل الحوار والاعتراف.

فالدستور، حسب القراءة الرسمية، يُسمح له بالسفر سياسيًا نحو العيون والداخلة تحت شعار “استقلال الصحراء”، لكنه يُمنع من الاقتراب من تيزي وزو وبجاية.
إنها ازدواجية فاضحة:

– تقرير المصير “مشروع” حين يُستعمل ضد المغرب
– وتقرير المصير “خيانة” حين يتحول إلى مطلب داخلي

في المقابل، لا يحتاج المغرب إلى مواد دستورية مُفخخة ولا إلى شعارات مستوردة، لأن سيادته على أقاليمه الجنوبية حقيقة تاريخية وقانونية ومؤسساتية، تُترجم ميدانيًا عبر التنمية، والجهوية المتقدمة، والاستثمارات الكبرى، ومشاركة السكان المحليين في تدبير شؤونهم.

وإذا كان الدستور المغربي قد اختار طريق البناء المؤسساتي الهادئ، فإن الدستور الجزائري اختار مسار تصدير الأزمات، عبر ربط نصه الأسمى بأطروحات انفصالية خارجية، هروبًا من استحقاقات الداخل وأسئلة الشرعية والهوية والتنمية.

غير أن المفارقة الأكثر إحراجًا أن النص الدستوري الذي صيغ، وفق الخطاب الرسمي الجزائري نفسه، لدعم ما يسمّى “استقلال الصحراء”، تحوّل اليوم إلى مرجعية قانونية يُستند إليها داخليًا.

فبمجرد إعلان حركة تقرير مصير القبائل تمسكها بنفس المنطق، وبنفس المبدأ، وبالاستناد إلى الدستور ذاته، وجدت الجزائر نفسها أمام تناقض صارخ:
دستور يُشرعن تقرير المصير… لكن خارج الحدود فقط.
ومبدأ يُقدَّم باعتباره كونيًا… لكنه يُمنع حين يطرق أبواب الداخل.

وهنا تحديدًا، انقلب السحر على الساحر.

لقد أرادت الجزائر، عبر مادة دستورية موجَّهة وبيان دبلوماسي مُسوِّغ، أن تمنح غطاءً قانونيًا لأطروحة انفصالية خارجية، فتحوّل النص إلى حُجّة ضدها في الداخل.
وأرادت أن تُقنّن الوهم، فإذا بالدستور نفسه يكشف تناقض الخطاب الرسمي وهشاشته.

فحين يُستعمل الدستور كأداة صراع خارجي بدل أن يكون عقدًا وطنيًا جامعًا،

وحين تُجزّأ المبادئ حسب الجغرافيا والمصالح،
يصبح النص عبئًا لا حصنًا،

ويتحول الانفصال المُصدَّر إلى الخارج إلى واقع داخلي مؤجل… لكنه قادم.

15/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts