في خطوة جديدة تعكس استمرار الجدل الأوروبي حول قضايا الهوية والحريات الفردية، تقدّم حزب الشعب الإسباني (PP) في جزر البليار بمقترح غير ملزم إلى برلمان الجهة، يهدف ــ حسب تعبيره ــ إلى التصدي لما يعتبره ممارسات منافية للحقوق الأساسية ومبادئ المساواة وكرامة النساء والفتيات. مقترح يضع في سلّة واحدة منع ارتداء البرقع والنقاب داخل المباني العمومية، ومحاربة الزواج القسري وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
النائبة عن الحزب، كريستينا خيل، سارعت إلى التأكيد بأن المبادرة «لا تستهدف أي دين»، بل تنحاز ــ كما قالت ــ «للحرية والكرامة والمساواة بين النساء والرجال». غير أن الرسالة، كما تُقرأ من خارج الخطاب الرسمي، توحي بأن النقاش لا يدور فقط حول حقوق المرأة، بل حول شكل الحضور الإسلامي في الفضاء العام الأوروبي. فوفق خيل، يُعدّ البرقع والنقاب «رمزين للخضوع»، ولا مكان لهما في «مجتمع ديمقراطي متقدم»، ولا داخل الإدارات والمرافق العمومية.
ويستند حزب الشعب في طرحه إلى الدستور الإسباني، الذي يُقرّ المساواة بين الجنسين ويجعل من كرامة الإنسان أساس النظام السياسي والسلم الاجتماعي، معتبرًا أن الحرية الدينية «لا ينبغي أن تتحول إلى مبرر لممارسات تُميّز ضد النساء». خطاب يتكرر في أكثر من عاصمة أوروبية، حيث تُستحضر القيم الدستورية كلما تعلق الأمر بلباس المرأة المسلمة.
ولتعزيز موقفه، يشير الحزب إلى تجارب دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا والدنمارك والنمسا وبلغاريا وسويسرا، التي سنت قوانين مماثلة، بدعوى حماية المساواة وضمان الأمن. وبحسب أصحاب المبادرة، فإن «إسبانيا لا يجب أن تبقى خارج هذا التوجه» عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الإنسان.
المقترح لا يتوقف عند اللباس، بل يتوسع ليشمل ممارسات وُصفت بـ«الخطيرة جدًا»، كتشويه الأعضاء التناسلية للإناث والزواج القسري وزواج القاصرات، وهي قضايا تُجمع المواثيق الدولية على إدانتها. وتقول خيل إن «آلاف النساء والفتيات تتدمر حياتهن سنويًا بسبب هذه الفظائع»، مؤكدة أن «لا تقليد ثقافي يسمو فوق حقوق الإنسان».
وفي هذا السياق، يدعو النص برلمان الجهة إلى إعلان رفضه الصريح لهذه الممارسات، والمطالبة بتشديد الملاحقات والعقوبات، مع توجيه نداء إلى حكومة بيدرو سانشيز لإطلاق إصلاحات تشريعية تمنع ارتداء الحجاب الإسلامي الكامل في جميع المباني والمنشآت العمومية.
وتزداد حظوظ هذا المقترح في المرور، في ظل تقاطع مواقفه مع حزب ڤوكس (Vox) اليميني المتشدد، الذي سبق أن قدّم مشروع قانون يرمي إلى تجريم ارتداء النقاب والبرقع في كل الفضاءات العمومية بجزر البليار، مع عقوبات قد تصل إلى السجن وغرامات مالية، واعتبار العود مخالفة جسيمة. وتقول متحدثته مانويلا كانياداس إن القانون «واضح وضروري»، لأنه «يحمي النساء والفتيات الأكثر هشاشة».
مرة أخرى، تُرفع لافتة “الدفاع عن المرأة” في أوروبا، لا لتحسين أوضاع العمل أو محاربة الفقر أو العنف الأسري، بل لقياس طول القماش وشكل اللباس. وبينما تُترك قضايا اجتماعية واقتصادية خانقة في الهامش، ينشغل الساسة بحسم معركة البرقع والنقاب، وكأن كرامة المرأة الأوروبية ــ ومعها السلم الاجتماعي ــ معلّقة بخيط قماش… أو بنقطة على رأس امرأة.
17/12/2025