عادت الأزمة الصحية في مليلية وسبتة إلى الواجهة بقوة، عقب تحركات واحتجاجات أطلقها أطباء ومهنيون في قطاع الصحة على الصعيد الإسباني، ما أعاد طرح أسئلة حارقة حول نجاعة نموذج التدبير المركزي الذي تعتمده وزارة الصحة الإسبانية عبر هيئة إنغيسا.
مهنيّو الصحة في المدينتين يعتبرون أن التدبير الذي تشرف عليه وزيرة الصحة الإسبانية مونيكا غارسيا يعاني اختلالات بنيوية عميقة، ولا يراعي خصوصيات هذين الإقليمين، كما يفتقر إلى المرونة والسرعة المطلوبتين للاستجابة للحاجيات الصحية المحلية، في ظل خصاص حاد في الموارد البشرية والتجهيزات.
أحد الفاعلين المحليين في مليلية عبّر عن غضبه قائلًا إن المدينة “لا تتوفر عمليًا على مسؤول صحة”، معتبرًا أن اهتمام المسؤولة الحكومية ينصبّ على صراعات سياسية داخلية في مدريد، بدل الانكباب على تحسين أوضاع ساكنة مليلية وسبتة، مضيفًا أن المنصب الوزاري يُستعمل، بحسب تعبيره، كأداة للمواجهة السياسية بدل كونه وسيلة لخدمة المواطنين.
وفي السياق ذاته، دعا مواطنون الوزيرة الإسبانية إلى زيارة مليلية في ظروف عادية، لا بروتوكولية، وقضاء أيام داخل مستعجلات المستشفى، للوقوف عن قرب على حجم الضغط الذي يعيشه الأطر الطبية، في ظل نقص صارخ في عدد الأطباء، ما يجعل تقديم الخدمات الصحية تحديًا يوميًا
من جهته، عبّر خوستو سانتشو-ميانيّو، رئيس الهيئة الرسمية لأطباء مليلية، عن خيبة أمله من الوعود التي لم تتحقق، مؤكدًا أن الوزيرة كانت قد وعدت بزيارة المدينة والتفاعل مع مطالب الأطباء، وهو ما دفعهم إلى تعليق الإضرابات مؤقتًا، قبل أن يتضح أن الزيارة لم تتجاوز مراسيم افتتاح مستشفى جديد في يونيو الماضي، رفقة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، في زيارة خاطفة لم تتعدَّ ساعتين.
ورغم افتتاح ما يُسمّى بـالمستشفى الجامعي، يؤكد مهنيون أن المؤسسة لا تتوفر إلى اليوم على جميع التخصصات الطبية الضرورية، ما يفرض استمرار نقل المرضى إلى شبه الجزيرة الإسبانية لتلقي العلاج، في مشهد يعكس محدودية الحلول المعلنة على أرض الواقع.
وقد أُغلق نهائيًا المستشفى الإقليمي القديم، بعد نقل مصلحة المستعجلات إلى المستشفى الجديد منتصف دجنبر.
تعكس هذه الأزمة هشاشة التدبير الإسباني في المدينتين المحتلتين، وتُبرز الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني، كما تطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل الخدمات الأساسية في مناطق تُدار من المركز، دون مقاربة ترابية أو إنسانية حقيقية.
خاتمة
في مليلية المحتلة، لا تبدو الأزمة الصحية مجرد خلل إداري عابر، بل عنوانًا أوسع لإدارة تُدار من بعيد، ووعود تُقدَّم بالكاميرات، وتُنسى بمجرد انطفاء الأضواء. وبين مستشفى “جديد” بلا أطباء، ووزيرة تحضر في الصور أكثر مما تحضر في الأقسام، يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف… والمرض لا ينتظر البيانات السياسية.
20/12/2025