تعيش منظومة السجون في هولندا واحدة من أخطر أزماتها منذ عقود، بعدما أعلنت مصلحة السجون الهولندية (DJI) دخولها مرحلة «الكود الأسود»، وهو أعلى مستوى إنذار إداري، بسبب النقص الحاد والمتواصل في عدد الزنازين، في مشهد يطرح أسئلة مقلقة حول قدرة الدولة على تنفيذ الأحكام القضائية وصون هيبة العدالة.
الأزمة لم تعد مجرد أرقام أو تقارير تقنية، بل تحوّلت إلى واقع يومي ملموس: آلاف المدانين ينتظرون تنفيذ أحكامهم دون موعد واضح، فيما اضطرت السلطات، تحت ضغط الاكتظاظ، إلى إطلاق سراح بعض السجناء قبل استكمال مدد عقوباتهم. وضع استثنائي ينذر بتآكل الثقة في سيادة القانون، ويضع النظام القضائي برمته أمام اختبار صعب.
المدير العام لمصلحة السجون، ويم ساريس، دقّ ناقوس الخطر برسالة عاجلة وجهها إلى المسؤولين المكلفين بتشكيل الحكومة الجديدة، محذرًا من أن الوضع الحالي لم يعد قابلًا للاستمرار، وأن استمرار التأجيل سيقود إلى شلل فعلي في تنفيذ الأحكام القضائية.
الأرقام التي كشفت عنها المصلحة تزيد من قتامة الصورة: فهولندا مهددة بفقدان نحو 3000 زنزانة خلال السنوات المقبلة، في وقت تحتاج فيه فقط للحفاظ على البنية الحالية إلى 350 مليون يورو، إضافة إلى 550 مليون يورو أخرى لتوسيع الطاقة الاستيعابية ومواجهة الطلب المتزايد على أماكن الاعتقال.
أمام هذا الانسداد، طُرحت حلول بديلة، أبرزها السجن الإلكتروني، حيث يقضي المحكومون عقوباتهم داخل منازلهم تحت رقابة صارمة عبر الأساور الإلكترونية وتقنيات التتبع الرقمي. خيار يُسوَّق له باعتباره أقل كلفة وأكثر مرونة، لكنه يثير في المقابل نقاشًا واسعًا حول فعاليته وحدوده، ومدى قدرته على تحقيق الردع وضمان الأمن العام.
وتبدو أزمة السجون الهولندية أبعد من كونها مسألة لوجستية أو مالية، فهي تعكس اختلالًا بنيويًا في التخطيط الجنائي والسياسات العقابية. وبين حلول مؤقتة وضغوط متزايدة، يبقى السؤال مطروحًا بإلحاح: هل يشكّل السجن الإلكتروني مخرجًا حقيقيًا من الأزمة، أم أن العدالة الهولندية بحاجة إلى مراجعة عميقة قبل أن تجد نفسها بلا زنزانة… وبلا هيبة ؟
21/12/2025