بدا المشهد في القاهرة وكأنه يعيد ترتيب الأوراق من جديد. فخلال أشغال الدورة الثانية للمؤتمر الوزاري لمنتدى الشراكة بين روسيا والاتحاد الإفريقي، المنعقدة يومي 20 و21 دجنبر 2025، غابت جبهة “بوليساريو” عن القاعة، لا كضيف ولا كملاحظ، في غياب لم يكن عرضيًا ولا تقنيًا، بل حمل دلالات سياسية محسوبة بدقة.
هذا الغياب أعاد رسم حدود المشاركة، وميّز بين من يُنظر إليه كفاعل سيادي ومن يُتعامل معه ككيان خارج منطق الشراكات الدولية. وعلى عكس محطات سابقة، مثل القمة الإفريقية-الأوروبية التي احتضنتها لواندا في نونبر الماضي، اختارت موسكو هذه المرة أن تحسم موقفها بوضوح، وأن تغلق الباب أمام أي تمثيل للكيانات الانفصالية، حتى وإن كان المؤتمر يُنظم على أرض دولة عضو في الاتحاد الإفريقي.
الطريقة التي دُبرت بها الدعوات لم تكن تفصيلًا ثانويًا. فقد تولت روسيا بنفسها، بقيادة وزير خارجيتها، الإشراف المباشر على توجيهها، بعيدًا عن قنوات مفوضية الاتحاد الإفريقي، في خطوة هدفت إلى تفادي أي محاولات للالتفاف أو فرض حضور أطراف غير معترف بها دوليًا. الرسالة كانت بسيطة في ظاهرها، لكنها حاسمة في مضمونها: الشراكة تُبنى مع الدول، لا مع الكيانات الرمزية.
ويأتي هذا التوجه في سياق أوسع، إذ يسعى المؤتمر إلى مراجعة خلاصات “مؤتمر سوتشي” لسنة 2024، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتبادل التجاري، إلى جانب تعزيز التنسيق في ملفات السلم والأمن. حضور سيرغي لافروف، إلى جانب ممثلين عن نحو خمسين دولة إفريقية ومنظمات قارية ودولية،
منح اللقاء وزنًا دبلوماسيًا واضحًا، وجعل من مسألة الاستبعاد موقفًا سياسيًا بامتياز لا مجرد إجراء بروتوكولي.
انسجام موسكو في هذا الملف لم يكن وليد اللحظة. فروسيا، منذ إطلاق مسار القمم الروسية-الإفريقية، لم تُدرج “بوليساريو” في أي من لقاءاتها الرسمية، وهو ما يعكس قناعة راسخة لديها بأن إقحام الكيانات الانفصالية يعرقل بناء شراكات مستقرة وقابلة للاستمرار. هذا الموقف بدا أكثر صلابة في مواجهة محاولات الجزائر وجنوب إفريقيا الدفع نحو حضور الجبهة في القاهرة، خاصة في ظل قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي يدعو إلى حل النزاع حول الصحراء المغربية في إطار مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
اللافت في كل ذلك لم يكن فقط الاستبعاد في حد ذاته، بل الصمت الذي تلاه. فقد غابت ردود الفعل الصاخبة المعتادة من أبواق النظام العسكري الجزائري، وكأن الرسالة وصلت دون حاجة إلى تعليق. صمتٌ عزز الانطباع بأن موسكو باتت تنظر إلى “بوليساريو” باعتبارها عنصر تعطيل لا قيمة مضافة، وعائقًا أمام أي تعاون حقيقي مع الدول الإفريقية ذات السيادة.
في القاهرة، لم تُرفع شعارات، ولم تُلقَ خطابات مباشرة حول الموضوع، لكن الغياب كان أبلغ من الحضور، ورسم ملامح مرحلة جديدة في طريقة تعاطي روسيا مع هذا الملف.
21/12/2025