بينما يوشك عام 2025 على إسدال ستاره، تقف السياحة المغربية على أعتاب رقم قياسي غير مسبوق، في انتظار “اللمسة الأخيرة” التي قد تحسم الحصيلة النهائية: كأس إفريقيا للأمم. فقبل أسابيع قليلة فقط من نهاية السنة، تتجه المؤشرات إلى موسم استثنائي بكل المقاييس، تُقدَّر فيه المداخيل السياحية بحوالي 130 مليار درهم، مقابل 110 مليارات درهم سنة من قبل، مدفوعة بتراكم الأداء الإيجابي طيلة الأشهر الماضية، وبالزخم المرتبط بتنظيم “كان 2025” وتزامنه مع عطلة نهاية السنة.
ويُجمع مهنيّو القطاع على أن سنة 2025 تشكل منعطفًا مفصليًا في تاريخ السياحة بالمغرب. وفي هذا السياق، يرى الخبير السياحي الزبير بوحوت أن هذه السنة لا تختزل فقط في أرقام مرتفعة، بل تعكس تلاقي عاملين حاسمين: دينامية نمو مستمرة من جهة، وتأثير ظرفي قوي لتنظيم تظاهرة قارية كبرى من جهة أخرى.
فحتى نهاية شهر نونبر، استقبلت المملكة نحو 18 مليون سائح، بارتفاع ناهز 13,5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2024. ومع احتساب التدفق الإضافي المرتقب خلال الأسابيع الأخيرة من السنة، خصوصًا بفعل كأس إفريقيا، يُتوقع أن يصل العدد الإجمالي إلى حوالي 20,5 مليون زائر، وهو سقف لم يسبق بلوغه، يرسّخ موقع المغرب كأول وجهة سياحية في إفريقيا.
ولا تقل المؤشرات المالية دلالة عن أرقام الوافدين. إذ تشير المعطيات المتوفرة إلى أن مداخيل السياحة بلغت، إلى حدود نهاية أكتوبر 2025، حوالي 113 مليار درهم، متجاوزة بالفعل مجموع مداخيل السنة السابقة بأكملها. ومع الأخذ بعين الاعتبار الطابع الموسمي القوي لنهاية السنة، إضافة إلى الأثر الاقتصادي المباشر وغير المباشر لكأس إفريقيا، تبدو فرضية تجاوز 130 مليار درهم مع نهاية دجنبر واقعية، ما يعني تسجيل رقم تاريخي جديد للقطاع.
هذا الأداء، حسب بوحوت، لا يمكن اعتباره انتعاشًا عابرًا، بل هو نتيجة مسار تصاعدي متواصل منذ مطلع السنة، تخللته أرقام شهرية قياسية في عدد الوافدين، وتحسن ملحوظ في الربط الجوي، وتكثيف جهود الترويج الخارجي، إلى جانب تطور تدريجي في جودة العرض السياحي والخدمات المرتبطة به.
وفي قلب هذا المشهد، تبرز كأس إفريقيا للأمم 2025 كعامل تسريع استثنائي، يُنتظر أن تستقطب ما يقارب مليون زائر إضافي، من مشجعين ووفود رياضية وإعلامية ومهنيين، مع ضخ ما يفوق 14 مليار درهم من العائدات المباشرة وغير المباشرة، المرتبطة بالإيواء والمطاعم والنقل والأنشطة الترفيهية.
غير أن بريق هذه الأرقام القياسية يخفي في المقابل تحديات بنيوية ما تزال قائمة. فرغم الانفتاح النسبي على أسواق جديدة، تظل السياحة الدولية بالمغرب رهينة لعدد محدود من الأسواق الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا، اللتان تمثلان معًا أكثر من نصف الوافدين الدوليين خلال الفترة ما بين يناير وأكتوبر 2025.
هذا الاعتماد المفرط، يحذّر بوحوت، يجعل القطاع عرضة لتقلبات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحتى الجيوسياسية بهذه الدول. كما أن النشاط السياحي لا يزال متركزًا جغرافيًا في مدن بعينها، خصوصًا مراكش وأكادير، اللتين تستحوذان على أكثر من 60 في المئة من مجموع ليالي المبيت.
ومن المنتظر أن تُعمّق كأس إفريقيا 2025 هذا التمركز بشكل ظرفي، عبر تعزيز جاذبية المدن الست المحتضنة للمباريات، خاصة الرباط ومراكش وأكادير، في مقابل استمرار محدودية استفادة عدد من الأقاليم الأخرى، رغم ما تزخر به من مؤهلات سياحية لا تزال خارج دائرة الاستثمار الفعلي.
21/12/2025