لم تعد مقاطعة قادس مجرد نقطة عبور عابرة في خريطة التهريب، بل تحولت، بحسب اعتراف مؤسسات إسبانية رسمية، إلى معقل مركزي لشبكات الاتجار بالمخدرات. هذا الوضع يكشف هشاشة الدولة الإسبانية في فرض سيادتها الأمنية على السواحل الجنوبية، حيث أصبحت ظاهرة تخزين “الناركو لانشاس” ـ الزوارق السريعة المخصصة للتهريب ـ مشهدًا يوميًا يفضح عجز السلطات عن ضبط الميدان.
في هذا السياق، فجّر حزب الشعب الإسباني هجومًا برلمانيًا مباشرًا على وزير الداخلية فرناندو غراندي-مارلاسكا، عبر سلسلة أسئلة رسمية موجهة للحكومة، طالب فيها بتوضيحات مكتوبة حول أسباب عدم نشر وحدات أمنية متخصصة في مقاطعة قادس، رغم تصاعد خطورة الوضع واتساع نفوذ شبكات التهريب.
وساءل الحزب، بنبرة حادة، عن أسباب عدم إشراك وحدات نوعية مثل:
مجموعة التدخل السريع (GAR)
مجموعة الاحتياط والأمن (GRS) التابعتين للحرس المدني
وحدة التدخل الشرطي (UIP) التابعة للشرطة الوطنية
في مواجهة شبكات إجرامية تتحرك بثقة، وكأنها خارج أي رادع مؤسساتي، مستغلة غياب الحضور الأمني الكافي.
ولم يكتف حزب الشعب بذلك، بل ذهب أبعد، مطالبًا الحكومة بكشف عدد المدن والعمليات التي تم فيها نشر وحدات GAR وGRS في قادس خلال السنوات السبع الأخيرة، في محاولة لفضح ما يصفه بتقاعس ممنهج لا يمكن تبريره لا بالمعطيات الميدانية ولا بخطورة التهديدات.
من زاوية مغربية، يسلط هذا الجدل الضوء على مفارقة لافتة: إسبانيا، التي لا تتردد في توجيه أصابع الاتهام جنوبًا فيما يخص الهجرة أو التهريب، تجد نفسها اليوم عاجزة عن ضبط سواحلها، رغم الإمكانيات التقنية والبشرية المتاحة. فالأزمة في قادس ليست أزمة موارد، بقدر ما هي أزمة قرار سياسي وإرادة أمنية.
وكان حزب الشعب قد اتهم الحكومة سابقًا بـ«الإنكار المتعمد» لحجم التهديد، محذرًا من تصاعد عنف شبكات التهريب واتساع نشاطها على طول الساحل الجنوبي. كما شدد على أن الإحصائيات الرسمية لا تعكس الواقع الميداني، داعيًا إلى تمكين قوات الأمن بوسائل فعلية، بدل الاكتفاء بخطاب مطمئن لا يواجه الحقيقة.
في المحصلة، تكشف هذه المواجهة البرلمانية عن شرخ عميق داخل الدولة الإسبانية في التعاطي مع ملف الاتجار بالمخدرات، وتؤكد أن جنوب إسبانيا يعيش أزمة أمنية بنيوية وحقيقية، لم تعد قابلة للتغطية بالشعارات أو التبريرات السياسية.
21/12/2025