kawalisrif@hotmail.com

حين تحذّر الصحافة الإسبانية من «ڤوكس»… المغرب هو المستهدف الحقيقي

حين تحذّر الصحافة الإسبانية من «ڤوكس»… المغرب هو المستهدف الحقيقي

مرة أخرى، يختار جزء من الإعلام الإسباني الطريق الأسهل: شيطنة المغرب، وتخويف الرأي العام، واستدعاء فزاعة “الخطر المغربي” كلما اهتزّ الداخل السياسي الإسباني، أو ضاقت دوائر الحسابات الحزبية في مدريد.

فبدل أن ينشغل هذا الإعلام بتشريح أزماته البنيوية ــ من صعود اليمين المتطرف، إلى تآكل الثقة في الأحزاب التقليدية، إلى العنف العنصري الذي يضرب شوارع بعض الأقاليم ــ يفضّل الهروب إلى الأمام، عبر تحميل المغرب مسؤولية ما لا يتحمّله، وإقحامه قسرًا في كل معادلة سياسية مرتبكة.

المفارقة الصارخة أن بعض المنابر الإسبانية تحذّر من “تداعيات صعود ڤوكس على المغرب”، في حين تغضّ الطرف عن الخطر الحقيقي: التطبيع الإعلامي والسياسي مع خطاب الكراهية داخل إسبانيا نفسها.
فحين تُحرق البيوت في مورسيا، وحين يُستهدف المهاجرون في الشارع، وحين تتحوّل العنصرية إلى مادة انتخابية، يلوذ هذا الإعلام بالصمت… أو يهمس.

أما حين يتعلّق الأمر بالمغرب، فجأة تتحوّل العناوين إلى صراخ، والتحليلات إلى نبوءات، والتقارير إلى دروس أخلاقية تُلقَى من فوق.

يتحدّث الإعلام الإسباني عن الجالية المغربية بلهجة “القلق”، لكنه ينسى عمداً أن هذه الجالية هي العمود الفقري لقطاعات كاملة في الاقتصاد الإسباني:
الفلاحة، البناء، الخدمات، ورعاية المسنين.

ينسى أن المغاربة في إسبانيا ليسوا “ملفًا أمنيًا”، بل قصة اندماج وصبر وعمل صامت.

ويُكثر من الحديث عن “مخاوف إسبانية” مرتبطة بالمغرب، بينما يتجاهل أن المغرب كان، ولا يزال، شريكًا حاسمًا في استقرار الضفة الجنوبية لأوروبا، وفي ضبط الهجرة غير النظامية، ومحاربة الشبكات الإجرامية، بما فيها تلك التي تهدد إسبانيا نفسها.

وعندما يصل النقاش إلى قضية الصحراء المغربية، تسقط آخر أوراق التوت.

هنا، يتحوّل الإعلام الإسباني من ناقل للخبر إلى طرف سياسي، يستدعي قاموسًا متجاوزًا، ويعيد تدوير أطروحات بائدة، غير آبه بالتحولات الدولية ولا بالمواقف الرسمية لحكومته نفسها.

إنه إعلام يرفض الاعتراف بأن الواقعية السياسية انتصرت، وأن زمن الوصاية قد انتهى، وأن المغرب لم يعد ذلك الجار الذي يُتحدّث عنه من علٍ، بل فاعل إقليمي يُحسب له الحساب.

الحقيقة البسيطة التي يتهرّب منها هذا الإعلام هي أن المشكلة ليست في المغرب، بل في مرآة إسبانيا.
في أزمة هوية سياسية، وفي إعلام اختار الاصطفاف بدل الاستقلالية، والتهويل بدل التحليل، والتحريض غير المباشر بدل النقد الشجاع.

فالإعلام الذي يخاف من ڤوكس، عليه أن يواجهه بخطاب مسؤول، لا أن يستعمل المغرب ككبش فداء.
والإعلام الذي يدّعي الدفاع عن القيم، عليه أولاً أن يحاسب ذاته، قبل أن يوزّع الاتهامات يمينًا ويسارًا.

قد ينجح الإعلام الإسباني، مؤقتًا، في تسويق سردياته داخل حدوده،

لكن المغرب لم يعد موضوعًا يُكتب عنه بلا كلفة، ولا جارًا يُستعمل عند الحاجة ثم يُنسى.

 

23/12/2025

مقالات خاصة

Related Posts