بعد عقد كامل على التخلي الرسمي عن سياسة الطفل الواحد، لا تزال الصين تبحث، بقلق متزايد، عن وصفة ناجعة لوقف النزيف الديموغرافي الذي يهدد توازنها الاجتماعي والاقتصادي. آخر هذه المحاولات، التي كشفت عنها صحيفة الغارديان البريطانية، تتمثل في نية بكين فرض ضريبة على القيمة المضافة على الواقيات الذكرية ووسائل منع الحمل، في خطوة غير مسبوقة تعكس حجم الارتباك الذي تعيشه ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم أمام التراجع الحاد في معدلات الولادة.
الرهان الصيني يبدو بسيطًا في ظاهره: تقليص استعمال وسائل منع الحمل عبر رفع كلفتها، أملًا في دفع الأزواج إلى إنجاب مزيد من الأطفال. غير أن هذا التوجه، بدل أن يُقابل بالتفهم، فجّر موجة واسعة من السخرية والانتقاد على منصات التواصل الاجتماعي الصينية، حيث رأى كثيرون أن الدولة، بعد أن تدخلت لعقود في قرار الإنجاب بالقوة والعقاب، تعود اليوم للتدخل بالضرائب والضغط غير المباشر، دون معالجة الأسباب الحقيقية التي تدفع الشباب إلى العزوف عن تكوين أسر.
ويطرح هذا المسار الصيني أسئلة عميقة حول حدود تدخل الدولة في الخيارات الخاصة للأفراد. فالتجربة الصينية، التي انطلقت عام 1979 بسياسة الطفل الواحد، خلّفت جراحًا اجتماعية وإنسانية لا تزال آثارها ماثلة، من اختلال التوازن بين الجنسين، إلى تسارع شيخوخة السكان، وصولًا إلى تآكل الثقة بين المواطن والمؤسسات. واليوم، بعد الانتقال من منطق “المنع” إلى منطق “التحفيز القسري”، يتضح أن الأزمة ليست في عدد الأطفال بقدر ما هي في شروط العيش، وغلاء الحياة، وضغوط العمل، وأعباء السكن والتعليم.
الواقع أن تراجع الخصوبة لم يعد شأنًا صينيًا خالصًا، بل ظاهرة عالمية تمتد من شرق آسيا إلى أوروبا، وتلوح ملامحها أيضًا في عدد من البلدان العربية، من بينها المغرب، حيث بدأ النقاش حول التحولات الديموغرافية يفرض نفسه بهدوء، بعيدًا عن القرارات المتسرعة. غير أن الفارق الجوهري يكمن في المقاربة: هل تُواجه هذه التحولات بسياسات اجتماعية ذكية تعزز الاستقرار والثقة، أم بإجراءات تقنية قد تعمّق الفجوة بين الدولة والمجتمع؟
وفي آسيا، كما أقر قادة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في قمتهم الأخيرة بكوريا الجنوبية، يشكل انخفاض معدلات الإنجاب وشيخوخة السكان تحديًا استراتيجيًا يهدد النمو والاستدامة. لكن التجربة الصينية تؤكد أن الحلول السطحية، مهما بدت مبتكرة أو صادمة، قد تصطدم بواقع اجتماعي أكثر تعقيدًا مما تتصوره دوائر القرار.
الخلاصة تبدو واضحة: تشجيع الإنجاب لا يمر عبر الضغط أو الجباية أو اللعب على الأسعار، بل عبر بناء الثقة، وتحسين شروط العيش، ودعم الأسرة، وضمان توازن حقيقي بين العمل والحياة الخاصة. فالديموغرافيا، في نهاية المطاف، ليست أرقامًا تُعدَّل بقرارات فوقية، بل مرآة صادقة لشعور الأفراد بالأمان تجاه المستقبل.
23/12/2025