تعيش جماعة الحسيمة منذ أسابيع على وقع ملف ثقيل يتسع يومًا بعد يوم، بعد أن تحولت قضية سيارات المصلحة من حوادث معزولة إلى موضوع نقاش عمومي واسع حول شفافية التدبير ومعايير اختيار ورش إصلاح سيارات الجماعة ، وتضارب المعطيات بين ما يُنشر إعلاميًا وبين ما يُروج له في بيانات “التوضيح”. الوضع خلق حالة من التساؤل المشروع لدى الرأي العام المحلي الذي ينتظر أجوبة واضحة ومؤسساتية بدل الردود المتناقضة.
وتزايد الجدل بعدما ارتبط اسم كل من وسيم لبحر، النائب الأول لرئيس جماعة الحسيمة المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، ( وهو عاطل عن العمل ، وغني في نفس الوقت ، واقتنى مؤخرا شقة فاخرة ، من خلال صفقات الجماعة وابتزازه للمقاولات التي تدؤر أشغال تهيئ الطرق والساحات بالمدينة ، مقابل إنجاز تقارير ممتازة عن الاشغال ، والذي يسعى للوصول إلى رئاسة جماعة الحسيمة خلال 2027 ) , وكذلك هشام الإدريسي أحد منتخبي المجلس بهذا الملف، حيث تشير مصادر متعددة إلى كونهما ضمن دائرة المؤثرين فيه، خاصة مع ربط اسم وسيم لبحر ببعض المشاريع الأخيرة المتعلقة بتزفيت وترميم الشوارع والمدارات، رفقة مدير المصالح بذات الجماعة ، إضافة إلى ما قيل عن دورهما في موضوع “بيان التوضيح” الذي تحول بدوره إلى محور شك كبير داخل الرأي العام.
وفي فترة زمنية ، تعرضت سيارتان تابعتان للجماعة لحادثتين مختلفتين؛ الأولى تخص مركبة تقودها إحدى نائبات الرئيس أثناء مهمة رسمية داخل المجال الترابي، أما الثانية فتخص سيارة مصلحة كان يقودها مدير المصالح خارج المدينة، وهي حادثة رافقتها روايات متضاربة، من بينها أن السيارة كانت في “مهمة سياحية” وأن سائقها ( مدير المصالح ) كان في وضع “غير طبيعي”، حسب مصادر عليمة .
السيارتان انتقلتا لإصلاحهما الثانية خارج الإقليم والضبط بفاس ، والثانية بإمزورن ، وبقيتا مدة طويلة دون استغلال، وهو ما زاد الغموض في غياب توضيحات دقيقة حول مساطر الإصلاح والكلفة النهائية التي تم التلاعب فيها .
الشرارة اشتعلت بشكل أكبر بعد نشر كواليس الريف للخبر قبل أيام ، تلاه “توضيح” منسوب لكراج القمراوي، نشرته صفحة فيسبوكية تافهة ، بخصوص السيارة التي كانت تقودها حياة بولحجل ، قبل أن يتبرأ صاحبه جمال القمراوي من البيان ، حيث أظهرت معطيات توصلت بها “كواليس الريف” أن البيان لم يصدر عن الأخير ، وأن من كان وراءه هو وسيم لبحر النائب الأول لرئيس جماعة الحسيمة، الذي بعثه إلى هشام الإدريسي المقرب من الصفحة التي روجته. بدل أن ينهي هذا البيان الجدل فتح أبوابًا أوسع للأسئلة: لماذا ظلت السيارة مركونة لأسابيع رغم الحاجة إليها؟ وكيف قُدرت كلفة الإصلاح بحوالي 5 ملايين سنتيم بينما تم الحديث لاحقًا عن إصلاحها بما بمليوني سنتيم فقط؟
بهذا الشكل، لم تعد القضية مجرد حوادث سير بل تحولت إلى ملف حكامة شامل يهم تدبير أسطول سيارات الجماعة بكامله، في ظل تعدد الحوادث، وطول مدة تعطيل المركبات، وتوجيه الإصلاح نحو ورشات بعينها، وتباين الأرقام المتعلقة بالكلفة، إضافة إلى حرب بيانات زادت تعقيد الصورة بدل توضيحها، في وقت ترتفع فيه الدعوات إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة.
اليوم، الرأي العام المحلي لا يبحث عن سجالات ولا تبادل اتهامات، بل عن حقائق موثقة وتقارير رسمية تصدر عن المؤسسات، مع مطلب واضح يتمثل في فتح تحقيق إداري ومالي شفاف، ونشر كل المعطيات الدقيقة المتعلقة بإصلاح سيارات الجماعة، وتحديد المسؤوليات إن ثبت وجود أي اختلالات. فالمال العام ليس مجالًا للتجارب أو لتبادل الخطابات، بل مسؤولية قانونية وأخلاقية يجب أن تُحسم بالحجج والوثائق الرسمية. ويبقى المواطنون في الحسيمة في انتظار كلمة فصل تعيد الثقة وتغلق هذا الملف بما يليق بحقهم في المعلومة والشفافية.
24/12/2025