لم يعد التطور المغربي في مجال الصناعات الدفاعية يمر مرور الكرام على وسائل الإعلام الإسبانية، التي باتت تُظهر توجسًا متزايدًا من وتيرة “الزحف الصناعي والتطوير العسكري” الذي يحققه المغرب خلال السنوات الأخيرة. فالمملكة لم تعد مجرد دولة مستوردة للمعدات العسكرية، بل أصبحت تتجه بثبات نحو التصنيع المحلي ونقل التكنولوجيا وبناء منظومة صناعية دفاعية متكاملة، وهو تحول استراتيجي تراه إسبانيا بعين القلق لِما يحمله من دلالات على تغيير ميزان القوة في محيط المنطقة.
في هذا السياق، تسلّمت القوات المسلحة الملكية المغربية الدفعة الأولى من المركبات المدرعة القتالية ذات العجلات من طراز “تاتا”، والتي يتم تصنيعها داخل المغرب في المصنع الصناعي بمدينة برشيد بجهة الدار البيضاء – سطات. ويأتي هذا المشروع في إطار تعاون استراتيجي بين المغرب والهند، هدفه تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة وتطوير صناعاتها العسكرية محليًا.
المصنع الذي تم تدشينه خلال زيارة رسمية رفيعة المستوى، يُعد ثمرة اتفاق استثماري كبير بين الجانبين، ويهدف إلى إدماج نسبة مهمة من الصناعة المحلية، حيث يُتوقع أن تشمل المرحلة الأولى حوالي 35 في المئة من المكونات المصنعة داخل المغرب، على أن ترتفع هذه النسبة تدريجيًا لتبلغ 50 في المئة خلال السنوات القادمة، بفضل تكوين الكوادر المغربية واعتماد موردين وطنيين في عملية الإنتاج.
المركبات المدرعة الجديدة تمثل إضافة نوعية للقوات المسلحة الملكية، نظرًا لما تتميز به من تقنيات حماية متطورة، وقوة في الأداء، وقدرة عالية على المناورة في مختلف التضاريس، وهو ما يعكس توجه المغرب نحو تعزيز قدراته الدفاعية بشكل احترافي ومدروس.
هذا التطور ليس حدثًا عابرًا، بل خطوة واضحة في مسار بناء صناعة دفاعية وطنية متقدمة، تُعزز سيادة المغرب وقدرته على الاعتماد على نفسه، وتؤشر إلى تحول استراتيجي في موقعه الإقليمي. لذلك يبدو طبيعيًا أن يتعامل الإعلام الإسباني مع مثل هذه الخطوات بنبرة حذرة ومشحونة بالقلق، لأن المغرب اليوم لا يكتفي بالمشاهدة، بل يخطط، يصنع، يتقدم، ويكرس نفسه كقوة صاعدة في المنطقة، بينما يكتفي البعض شمال المتوسط بالمراقبة وتحليل ما يجري… وربما القلق أيضًا.
25/12/2025