شهد عام 2025 تسارعاً لافتاً في عملية انسحاب بنك “سوسيتيه جنرال” الفرنسي من القارة الإفريقية، بعد أن بدأ أولى خطواته سنة 2023، ليعلن هذا العام انتهاء المرحلة الأولى من خطة بيع فروعه الإقليمية على مراحل. فقد باع البنك ثلاث مؤسسات تابعة له في كل من بوركينا فاسو وغينيا كوناكري وموريتانيا لصالح مجموعات مالية إفريقية صاعدة مثل “Vista Group Holding” و”Atlantic Financial Group” و”Enko Capital” إلى جانب “Saham Bank” التي تأسست رسمياً تحت هذا الاسم عقب صفقة أبرمت نهاية عام 2024. كما أبدت حكومات الكاميرون والسنغال رغبتها في استعادة فروعها المحلية، في حين يبقى فرع البنك في تونس قيد المراقبة الاستراتيجية، مع ترجيحات بانسحاب قادم متى توفرت الفرصة.
هذا التحول الاستراتيجي انعكس بوضوح في الأرقام المالية للمجموعة، إذ تراجع صافي أرباح قطاع “البنوك في إفريقيا وحوض المتوسط وما وراء البحار” من 85 إلى 79 مليون يورو بين الربع الثالث لعامي 2024 و2025. ويأتي ذلك في إطار سياسة أوسع ينتهجها البنك تحت شعار “التركيز على أوروبا” و”تبسيط المحفظة الاستثمارية”، ضمن خطة تمتد من 2023 إلى 2026، ما ساهم في رفع أرباح المجموعة الكلية بنسبة تفوق 11%. وقد نالت هذه الاستراتيجية استحسان وكالات التصنيف المالي العالمية، التي اعتبرت أن خروج “سوسيتيه جنرال” من بعض الأسواق الإفريقية ينسجم مع رؤيته الجديدة للحد من المخاطر وتعزيز المركز المالي في أوروبا.
في المقابل، فتحت عمليات الانسحاب الباب أمام بروز فاعلين مصرفيين إقليميين جدد قادرين على منافسة المؤسسات الدولية. مجموعات مثل “Vista Bank” و”AFG” و”Enko Capital” و”Saham Bank” باتت تشكل النواة الصاعدة للقطاع البنكي الفرنكوفوني. وحققت “Saham Bank” – التي خلفت “سوسيتيه جنرال المغرب” – نمواً ملحوظاً في الناتج البنكي الصافي بنسبة 7.3% وفي الأرباح الموحدة بنسبة قاربت 29% خلال عام واحد. أما على المستوى الإقليمي، فقد شهدت القارة تحولات أعمق مع دخول رجال أعمال ومستثمرين كبار إلى الساحة، وتزايد توجه الدول الإفريقية نحو استعادة السيطرة على مؤسساتها المالية، في مشهد يعكس مرحلة جديدة من السيادة الاقتصادية والتحول البنكي بعيداً عن الهيمنة الأجنبية.
25/12/2025
