في رسالة عيد الميلاد لعام 2025، قدّم الملك الإسباني فيليبي السادس خطابًا غير مألوف من حيث إيجازه وكثافته، ركّز فيه على تشخيص دقيق لحالة الديمقراطية الإسبانية ومظاهر التعايش داخلها. ومن «صالون الأعمدة» في القصر الملكي بمدريد، شدّد العاهل الإسباني على أن الديمقراطية نتاج لذاكرة جماعية من المسؤولية المشتركة، وأنها تقوم على الحوار وقبول الاختلاف وتحويل الشكوك إلى فرص للتلاقي. وذكّر بأن المرحلة الانتقالية التي قادت إلى دستور 1978 كانت تمرينًا وطنيًا في بناء الثقة، مؤكدًا أن هذا الدستور ما يزال الإطار الأرحب الذي يحتضن تنوّع المجتمع الإسباني.
وأشار فيليبي السادس إلى أن المشروع الأوروبي امتداد طبيعي لهذا المسار الديمقراطي، باعتباره رافعة لترسيخ الحريات وتحقيق التحول الاقتصادي والاجتماعي. غير أن الخطاب لم يكتفِ بالتذكير بالماضي، بل تطرّق بعمق إلى التحديات الراهنة التي تواجه المجتمع الإسباني، من ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة الولوج إلى السكن، إلى القلق الناتج عن التحولات التكنولوجية وتأثيرات التغير المناخي. وأعرب الملك عن قلقه من حالة الإرهاق المدني التي تولّدها حدة الخطاب العام والانقسام السياسي، معتبرًا أن تجاوز هذه المرحلة يتطلب مسؤولية سياسية فعلية تتخطى التصريحات العابرة وتستعيد ثقة المواطنين في مؤسساتهم.
وفي تحليل هادئ لما وصفه بـ«أزمة الثقة» داخل الديمقراطيات المعاصرة، دعا فيليبي السادس إلى تجديد الإيمان بالمشترك الوطني، وإلى صيانة النقاش العمومي عبر احترام اللغة، والإنصات للآخرين، وترسيخ قدوة في ممارسة السلطة. وشدد على ضرورة أن تبقى كرامة الإنسان، ولا سيما الفئات الهشة، في صلب السياسات العمومية. واختُتم الخطاب بفكرة مؤثرة مفادها أن الخوف يُشيّد الحواجز بينما الثقة تفتح الآفاق، في رسالة تؤكد تمسك الملك بدور المؤسسة الملكية كرمز لوحدة إسبانيا وضامن لتوازنها الديمقراطي في زمن يعصف فيه الاستقطاب بالمجتمعات الحديثة.
25/12/2025