لم يكن النضال الأمازيغي في أي مرحلة مجرد دفاع عن لغة أو ثقافة بمعزل عن الواقع الاجتماعي، بل كان منذ بداياته نضالًا من أجل الكرامة والعدالة والاعتراف بالإنسان الأمازيغي الذي يشكل الأغلبية الساحقة جدا من سكان المملكة ، كمواطن كامل الحقوق. غير أن التحولات السياسية والاجتماعية التي يعرفها المغرب اليوم تفرض على الحركة الأمازيغية مراجعة خطابها وأساليب عملها، دون التفريط في جوهر نضالها أو التراجع عن مكتسباتها.
شكل الاعتراف الدستوري بالأمازيغية محطة مهمة في هذا المسار، لكنه لم يكن نهاية الطريق. فالواقع اليومي يظهر أن هذا الاعتراف ما يزال جزئيًا ومحدود الأثر، وأن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يتم بوتيرة بطيئة، وفي أحيان كثيرة بمنطق تقني وإجرائي يفرغها من مضمونها السياسي والحقوقي. ومن هنا، يصبح الاستمرار في النضال ضرورة ملحة، ولكن بنهج جديد ورؤية أكثر شمولية وعمقًا.
إن اختزال القضية الأمازيغية في بعدها اللغوي والثقافي فقط يضعفها ولا يخدم أهدافها الحقيقية، فالأمازيغية ترتبط عضوياً بقضايا التنمية والعدالة المجالية والتعليم والصحة والبيئة والحق في الأرض والثروات. المواطن الأمازيغي لا يعاني فقط من التهميش اللغوي، بل كذلك من الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في المناطق الجبلية والقروية التي ما تزال تعيش أوضاع الهشاشة رغم ما تزخر به من إمكانيات طبيعية وبشرية.
تجديد الخطاب الأمازيغي لا يعني التخلي عن المطالب التاريخية، بل إعادة صياغتها بلغة سياسية واضحة، قادرة على التأثير في الرأي العام وصناع القرار. كما يعني الانتقال من خطاب الاحتجاج وحده إلى خطاب الاقتراح، ومن منطق رد الفعل إلى الفعل الاستباقي، ومن العمل الظرفي المناسباتي إلى العمل المؤسسي المنظم والمستدام.
تقوية الحضور السياسي للحركة الأمازيغية باتت مسألة أساسية، فالسياسات العمومية لا تُصاغ في الفضاء الجمعوي فقط، بل داخل المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار. وغياب صوت أمازيغي قوي وواعٍ داخل هذه الفضاءات يترك المجال مفتوحًا أمام مقاربات شكلية، تُوظَّف فيها الأمازيغية رمزياً دون إرادة حقيقية لتفعيلها.
في الوقت نفسه، يحتاج النضال الأمازيغي إلى مزيد من الانفتاح على المجتمع وبناء تحالفات واسعة مع باقي القوى الديمقراطية والحقوقية. فالقضية الأمازيغية ليست قضية فئة أو هوية منغلقة، بل هي قضية مجتمع يسعى إلى ديمقراطية حقيقية قائمة على المساواة والاعتراف بالتعدد الثقافي واللغوي.
وخلاصة القول، إن الحركة الأمازيغية اليوم أمام مرحلة تاريخية مفصلية: إما أن تظل أسيرة خطاب تقليدي محدود التأثير، أو أن تنخرط في تجديد شمولي يجعلها قوة اقتراحية ونضالية فاعلة، تواصل الدفاع عن اللغة والثقافة دون أن تغفل المعارك الكبرى من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. فالأمازيغية في عمقها ليست مجرد لغة أو موروث ثقافي، بل مشروع تحرر إنساني وديمقراطي متجدد.
بقلم : محمد معراد
25/12/2025