لم يكن ما جرى داخل قبة البرلمان مجرد تصويت عابر على مشروع قانون، بل مشهدا مكتمل الأركان لما وصفته لجنة الصحافيين والصحافيات من أجل إعلام حر ومستقل بـ«المهزلة التشريعية». مصادقة تمت، الأربعاء، على قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، لكن بثمن سياسي ومهني باهظ، إذ جرى تمرير النص في غياب أي احترام لنبض الجسم الصحافي، وفي تحدٍّ صارخ لكل الأصوات الرافضة داخل القطاع.
اللجنة، التي تضم حوالي 3000 من الصحافيين المغاربة، لم تكتف بالتنديد، بل ذهبت بعيدا في تشخيص ما حدث، معتبرة أن الأمر ليس سوى نتيجة مباشرة لتحالف مصلحي مكشوف بين السلطة التنفيذية وما سمّته “صحافة التشهير” والرأسمال المتحكم في الإعلام. تحالف، يتصرف باستعلاء فجّ تجاه قطاع انتفض مرارا ضد ممارسات وصفتها باللاأخلاقية، وضد محاولات تدجينه وتحويله إلى أداة طيّعة في يد مراكز النفوذ.
وفي قلب هذا المشهد، لم تتردد اللجنة في توجيه انتقادات لاذعة للدور الذي بات يلعبه وزير الشباب والثقافة داخل القطاع، متهمة إياه بالاصطفاف المفضوح إلى جانب أصدقائه في جمعية الناشرين المشهرين، المدعومة بالمال وبشبكة من السلطات المختلفة، في سلوك اعتبرته اللجنة انحرافا خطيرا عن واجب الحياد المفترض في تدبير شؤون مهنة يفترض أنها مستقلة.
الأكثر إثارة للسخط، في نظر اللجنة، هو أن مصير قطاع يضم حوالي 4500 صحافي حُسم بتصويت ستة أعضاء فقط داخل لجنة برلمانية، في خطوة وصفتها بأنها “عديمة القيمة الديمقراطية”. أما مصادقة مجلس المستشارين، فلم ترَ فيها سوى حلقة إضافية في سياسة “الهروب إلى الأمام”، حيث تم تمرير المشروع دون أدنى إنصات لأصوات النقابات المهنية، والتجمعات الصحافية، والصحافيين المستقلين، وكأن وجودهم لا يعني شيئا في معادلة القرار.
وأمام هذا الوضع، دعت اللجنة إلى طي صفحة التنظيم الذاتي في صيغته الحالية، والمطالبة بحل المجلس الوطني للصحافة فورا، ووقف محاولات إحياء ولاية منتهية الصلاحية أو تنصيب هيئات تفتقد لأي شرعية مهنية. كما شددت على ضرورة إعادة بناء تنظيم ذاتي حقيقي، يقوم على تمثيل مهني حر ومستقل، عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة، تقطع نهائيا مع منطق التعيين ومع تدخلات الأجهزة التنفيذية التي أفرغت المؤسسات من مضمونها وحوّلتها إلى هياكل شكلية.
ولم تتوقف المطالب عند هذا الحد، إذ دعا الصحافيون إلى إحالة القانون رقم 026.25 بشكل فوري على المحكمة الدستورية، استنادا إلى الملاحظات التي سبق أن أثارها المهنيون والمؤسسات الدستورية، واعتباره قانونا يسعى إلى إعادة هندسة المشهد الصحافي بما يخدم لوبيات الإشهار ومراكز النفوذ، مع ضرورة وضع حد لتدخل الجهاز التنفيذي في تنظيم المهنة، ووقف سياسة التعيين المباشر داخل مؤسسات يُفترض أن تكون مستقلة بالكامل عن السلطة التنفيذية وتوجيهاتها السياسية.
كما طالبت اللجنة بحماية فعلية لحرية الصحافة، عبر وقف آليات الضغط والترهيب، وعدم توظيف المساطر التأديبية والمالية والقضائية لمعاقبة الصحافيين بسبب آرائهم وخياراتهم المهنية. ودعت إلى فتح تحقيق مستقل فيما جرى داخل لجنة الأخلاقيات، وترتيب الجزاءات القانونية في حق المسؤولين عن الانتهاكات التي طالت الصحافي المهدوي وغيره، بما يضمن المساءلة وينهي منطق الإفلات من العقاب.
وفي سياق متصل، شددت اللجنة على ضرورة التصدي لحملات التشهير الممنهجة التي تُستعمل لإسكات الأصوات المستقلة، وتجريم استغلال المنابر الإعلامية في الاغتيال الرمزي والتحريض خدمة لمجموعات المصالح.
وختمت اللجنة بيانها بالإعلان عن عزمها خوض أشكال نضالية تصعيدية سيتم الكشف عنها لاحقا، مؤكدة أن المعركة ليست تقنية ولا قانونية فقط، بل معركة وجود، دفاعا عن شرف المهنة وصونا لكرامة الصحافيات والصحافيين في مواجهة ما وصفته بالهجمة الشرسة التي تستهدفهم بشكل مباشر.
25/12/2025