في وقت تتصاعد فيه النقاشات داخل أوروبا حول تشديد سياسات الهجرة، كشفت معطيات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات” أنّ دول الاتحاد الأوروبي أصدرت خلال الربع الثالث من السنة 6.670 قراراً بمغادرة التراب الأوروبي بحق مواطنين مغاربة، ما يمثل نحو 5,8% من إجمالي أوامر الترحيل خلال الفترة نفسها.
ورغم تسجيل تراجع طفيف مقارنة بالفترة السابقة، فإن المغاربة يظلون ضمن أكثر الجنسيات التي تُستهدف بهذه الإجراءات إلى جانب الجزائريين، في سياق أوروبي يسعى إلى تقليص الهجرة غير النظامية وإعادة ضبط حدوده.
لكن خلف هذه الأرقام، تبرز معطيات أخرى لا تقل أهمية: نسبة تنفيذ هذه القرارات تبقى ضعيفة للغاية، إذ لا تتجاوز – وفق بيانات تداولتها وسائل إعلام مغربية وأوروبية – 10% خلال السنوات الأخيرة، بل لم تتخطَّ 8% سنة 2023. هذه الفجوة الكبيرة بين الواقع والقرارات تُشير، بحسب محللين، إلى تعقيد الملف أكثر مما يبدو على الورق.
صحف إسبانية نقلت أن مدريد تقر بوجود صعوبات في التعاون مع الرباط فيما يتعلق بتنفيذ عمليات الإعادة، لأسباب متشابكة تشمل التأكد من الهوية، المساطر القانونية، والاعتبارات السياسية والدبلوماسية.
وبينما تُصوّر بعض المنابر الإسبانية الأمر كـ”نقص تعاون”، يرى مراقبون في المغرب أن القضية ليست مجرد “قبول أو رفض”، بل ملف سيادي يحكمه القانون الوطني المغربي والتزامات حقوق الإنسان، إلى جانب علاقات إقليمية حساسة، خاصة أن المغرب ليس “بلد عبور” فقط، بل أيضاً شريكاً أساسياً لأوروبا في محاربة شبكات الاتجار بالبشر والهجرة السرية.
لا يمكن قراءة هذه الأرقام بمعزل عن سياقين متداخلين؛ سياق إنساني يرتبط بآلاف الحالات التي تخص أشخاصاً في وضعيات هشّة، ما يجعل أي عملية إعادة مشروطة باحترام صارم للضمانات القانونية والحقوقية، وسياق سياسي-دبلوماسي تدير من خلاله الرباط ملف الهجرة بمنطق الشراكات المتوازنة، رافضةً تحويله إلى ورقة ضغط أو أداة ابتزاز سياسي كما يحدث أحياناً داخل النقاش الإسباني الداخلي
في المقابل، يدرك الاتحاد الأوروبي جيّداً أن المغرب شريك مركزي في استقرار المنطقة وضبط تدفقات الهجرة، وأنه يتحمّل بدوره أعباء ضخمة، سواء أمنياً أو اجتماعياً. لذلك فإن حل الإشكال لا يمر عبر لغة الاتهام أو تحميل طرف واحد المسؤولية، بقدر ما يحتاج إلى مقاربة مشتركة تقوم على الدعم، والتفاهم، وتقاسم المسؤوليات.
مرة أخرى، يثبت ملف الهجرة أنه ليس مجرد أرقام أو تقارير، بل قضية سياسية وإنسانية وأمنية في آن واحد. أوروبا تبحث عن تشديد، وإسبانيا تبحث عن التوازن بين مصالحها الداخلية وعلاقاتها مع الرباط، والمغرب يؤكد عملياً أنه شريك لا يمكن تجاوزه، لكن دون التفريط في سيادته ولا في اعتبارات الكرامة والحقوق.
26/12/2025