تحوّلت الطريق الساحلية رقم 16، الرابطة بين تطوان والحسيمة، إلى عنوان للفزع بدل الربط، بعد أن أعادت الانهيارات الصخرية المتتالية فضح هشاشتها الخطيرة، وجعلت المرور عبرها مغامرة غير محسوبة العواقب. طريق وُصفت بالاستراتيجية، لكنها باتت اليوم تهدد بتعطيل حركة السير في أي لحظة، وتضع أرواح مستعمليها تحت رحمة الصخور المتساقطة، في مشهد يطرح أكثر من علامة استفهام حول كيفية إنجازها، ومن يتحمل مسؤولية هذا الوضع المقل
الانهيار الأخير لم يكن مجرد حادث عرضي، بل إنذارًا جديدًا يُضاف إلى سجل طويل من الاختلالات، حيث تحولت المقاطع الجبلية الهشة إلى مصائد موت مفتوحة، تتساقط منها الصخور مع أول زخات المطر، فتشل حركة السير، وتزرع الرعب في قلوب السائقين والركاب، وكأنهم يسلكون طريقًا في منطقة منكوبة لا محورًا طرقيًا وطنيًا يفترض أن يخضع لأعلى معايير السلامة.
والمثير للاستغراب، بل والغضب، أن هذه الانهيارات تتكرر منذ سنوات، في مقابل تدخلات ترقيعية محدودة، تُصرف فيها أموال طائلة دون أثر يُذكر على أرض الواقع، ما يطرح أسئلة ثقيلة حول طبيعة الدراسات التقنية التي أُنجزت، وجودة الأشغال، والجهات التي صادقت واستلمت هذا الورش وهي على علم بمكامن الخلل. هنا، لم يعد النقاش تقنيًا فقط، بل أصبح قضية مسؤولية ومحاسبة.
في هذا السياق، دقّت البرلمانية فاطمة السعدي ناقوس الخطر عبر سؤال كتابي، طالبت فيه بتدخل عاجل وحازم، غير أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في تأمين الطريق مؤقتًا، بل في فتح تحقيق جدي ومستقل يحدد بدقة المسؤوليات، من مرحلة التصميم إلى التنفيذ والمراقبة، وترتيب الجزاءات القانونية في حق كل من ثبت تقصيره أو تلاعبه، لأن أرواح المواطنين ليست مجالاً للتجريب ولا للتهاون.
إن استمرار هذا الوضع يعني القبول الضمني بمنطق الإفلات من العقاب، ويجعل من الطريق الساحلية رقم 16 شاهدًا حيًا على مشاريع تُنجز على الورق، وتنهار فوق رؤوس مستعمليها. فكيف يعقل أن يظل محور استراتيجي يربط مدن الساحل الشمالي، في قلب دينامية اقتصادية كبرى من طنجة إلى الناظور، رهينة لانهيارات موسمية ووعود مؤجلة؟
اليوم، لم يعد المطلوب بيانات تطمين ولا حلولًا إسعافية، بل إعادة بناء شاملة وفق رؤية علمية صارمة، وقبل ذلك محاسبة قضائية واضحة لكل من كان سببًا في هذا النزيف المتكرر. فالتنمية الحقيقية لا تُقاس بطول الطرق، بل بمدى أمانها، والعدالة تبدأ حين يُسأل المسؤول: لماذا انهارت الطريق… ومن سيدفع ثمن ذلك؟
26/12/2025