أكد حسن طارق، وسيط المملكة، أن تجاوز الفوارق الترابية وتحقيق العدالة المجالية في المغرب يقتضيان ثورة حقيقية في المفاهيم الإدارية، تقوم على انفتاح فكري ومعرفي يتجاوز حدود النصوص القانونية الجامدة نحو مقاربة شمولية تستلهم من العلوم الاجتماعية والإنسانية. وأوضح طارق، في مداخلة له خلال الندوة الدولية حول “التنمية الترابية والعدالة المجالية بالمغرب” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال، أن الإدارة المغربية تعيش تحولاً عميقاً انتقلت معه من منطق السلطة والتدبير البيروقراطي إلى إدارة عمومية تفاعلية تسعى إلى تجسيد السياسات الاجتماعية بشكل ملموس في حياة المواطنين.
وأشار وسيط المملكة إلى أن المواطن لم يعد يتعامل مع المرفق العام باعتباره مجرد جهاز إداري، بل كفضاء لتلبية حاجاته اليومية وتوقعاته، وهو ما أفرز علاقة جديدة وصفها بـ“التوتر الصحي”، ناجمة عن اتساع الفجوة بين الطلب الاجتماعي المتزايد وقدرة الدولة على تقديم حلول آنية ومستدامة. وبلغة حقوقية دقيقة، شدد طارق على أن “السياسة الاجتماعية إما أن تكون داخل التراب أو لا تكون”، مفضلاً مفهوم الإنصاف على المساواة المطلقة، لأن الإنصاف – بحسبه – يراعي التفاوتات الإيجابية التي تصب في مصلحة الفئات الأقل حظاً وتؤسس لمبدأ تكافؤ الفرص الفعلي.
ودعا طارق إلى إعادة الاعتبار للعلوم الإدارية والانفتاح على مقاربات الجغرافيا البشرية والسوسيولوجيا في تحليل السياسات العمومية، مستشهداً بإسهامات الجغرافي المغربي محمد الناصري في فهم علاقة السلطة بالمجال. كما دعا إلى الانتقال من منطق “مراقبة المجال” إلى منطق “مواكبته وتنميته”، مؤكداً أن متغير المجال يشكل عنصراً مركزياً في تقييم نجاعة السياسات العمومية. وختم مداخلته بالتأكيد على أن تحقيق الإنصاف المجالي يتطلب “ترافعاً جماعياً وتفكيراً رصيناً”، مشيداً بدور الجامعة المغربية في تأطير النقاش العمومي وترسيخ قيم الدولة الاجتماعية الحديثة.
27/12/2025