تعيش سوريا على وقع موجة جديدة من العنف الطائفي الذي يهدد ما تبقى من توازن هش بعد سنوات من الحرب والانهيار المؤسساتي. ففي مدينة حمص، أدى انفجار عبوة ناسفة داخل مسجد الإمام علي بن أبي طالب التابع للطائفة العلوية إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة ثمانية عشر آخرين، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، بينما وصفت وزارة الداخلية الحادث بأنه “هجوم إرهابي” استهدف لحظة حساسة هي صلاة الجمعة، حيث كان المسجد غاصًّا بالمصلين.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن العبوة كانت مزروعة داخل المسجد، ما يعكس طبيعة الهجوم الدقيقة وخطورته في سياق صراع اتخذ في السنوات الأخيرة طابعًا طائفيًا أكثر حدة، خصوصًا بعد سقوط نظام بشار الأسد في نهاية 2024 وصعود حكومة ذات قاعدة سنية أوسع. وبينما وجهت الحكومة السورية أصابع الاتهام إلى تنظيم “داعش”، أعلنت جماعة “سرايا أنصار السنّة” المتشددة تبنيها للهجوم عبر قنواتها الرقمية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصفيات بين الفصائل المتطرفة.
من زاوية مغربية، يعيد هذا الاعتداء التذكير بحقيقة ثابتة مفادها أن الإرهاب لا دين له ولا مذهب، وأن استهداف دور العبادة، أيًا كانت هويتها العقائدية، يشكل اعتداءً مباشرًا على قيم التعايش والحق في الحياة. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب ظل ثابتًا على موقفه الداعي إلى الحل السياسي للأزمة السورية، المبني على وحدة الدولة واستقرار مؤسساتها ورفض تقسيم المجتمع السوري على أسس مذهبية أو عرقية، مع التأكيد على ضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابع التطرف.
كما أن هذا التطور يطرح مجددًا سؤال الأمن الإقليمي، إذ إن أي انفلات في سوريا لا يبقى حبيس حدودها، بل ينعكس على المنطقة بأكملها من خلال موجات التطرف والهجرة غير النظامية وتنامي شبكات التهريب والسلاح، وهي تحديات لطالما حذرت منها الرباط ودعت إلى معالجتها برؤية شمولية تقوم على التعاون الدولي والأبعاد الإنسانية والسياسية والأمنية مجتمعة.
ورغم قسوة الحدث، يبقى الأمل قائمًا في أن تتجه الأطراف السورية، بدعم من القوى الإقليمية والدولية، نحو مسار يضمن حماية المدنيين، ويحصّن دور العبادة، ويضع حدًا لمنطق الانتقام الطائفي، بما يسمح بعودة سوريا إلى مسار الاستقرار، خدمة لأمن المنطقة وطمأنينة شعوبها.
27/12/2025