تعيش الحدود الشمالية لموريتانيا على وقع توتر غير مسبوق، بعدما تحولت مناطق التعدين القريبة من الشريط الحدودي إلى مسرح مفتوح لتحركات مقلقة تنفذها عناصر مسلحة تابعة لجبهة “البوليساريو”، مستهدفة منقبين موريتانيين عن الذهب في مشاهد تعيد إلى الواجهة شبح الانفلات الأمني.
تقارير متطابقة من نواكشوط ترسم صورة قاتمة لوضع أمني يزداد تعقيدًا، رغم كل الإجراءات الاستباقية التي لجأ إليها الجيش الموريتاني خلال السنوات الأخيرة، من تعزيز للانتشار العسكري وإغلاق للمسالك السرية. غير أن الواقع على الأرض يكشف أن هذه التدابير لم تفلح في وقف نزيف الاعتداءات، التي تسارعت وتيرتها بشكل لافت خلال الأشهر الماضية.
الهجوم الأخير شمال البلاد كان بمثابة ناقوس خطر جديد، بعد إصابة أحد المنقبين بطلق ناري، وسرقة سيارة رباعية الدفع محمّلة بمعدات للتنقيب، في حادث يفضح جرأة مجموعات مسلحة باتت تتحرك بحرية عبر حدود شاسعة ومعقدة، مستغلة ثغرات المراقبة في بعض النقاط الحساسة.
في المقابل، يزداد غضب منقبي الذهب، الذين لم يعودوا يثقون في ما يصفونه بـ“الحضور الأمني الصوري”، مطالبين بحماية حقيقية تضع حدًا لحالة الخوف الدائم. ويستحضر هؤلاء حادث اختطاف عشرة موريتانيين في شتنبر الماضي قرب منطقة المالحة، داخل التراب الوطني، وهو ما فجّر تساؤلات محرجة حول مدى السيطرة الفعلية للدولة على تلك المناطق.
مصادر محلية تربط هذا التصعيد المسلح برد فعل مباشر من جبهة “البوليساريو” على تشديد الجيش الموريتاني قبضته على مناطق ظلت لسنوات خارج نطاق الضبط، ضمن استراتيجية جديدة تهدف إلى تجفيف منابع الفوضى وتأمين الحدود من التهديدات المتربصة.
وفي مواجهة هذا الوضع، لجأت نواكشوط إلى خطوات أكثر صرامة، أبرزها إغلاق منطقة لبريجة الحدودية مع الجزائر في 22 ماي الماضي، وهي منطقة معروفة باستعمالها كنقطة عبور لعناصر الجبهة لتنفيذ هجمات تستهدف القوات المسلحة الملكية المغربية أو منشآت مدنية في السمارة والمحبس.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ عززت موريتانيا قدراتها العسكرية بحصولها مؤخرًا على طائرات مراقبة بدون طيار بعيدة المدى من شركة فرنسية، ضمن صفقة ممولة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 40 مليون أورو، في رسالة واضحة مفادها أن سماء الحدود لم تعد مفتوحة أمام المغامرات المسلحة، وأن مرحلة جديدة من التشديد والمراقبة قد بدأت.
28/12/2025