شهد عام 2025 تحولًا لافتًا في خريطة أسواق المال العالمية بعدما عاد الذهب بقوة إلى صدارة المشهد المالي الدولي، مسجلًا ارتفاعًا تاريخيًا غير مسبوق. فقد قفز سعر الأونصة من حوالي 2.600 دولار في بداية السنة إلى ما يفوق 4.500 دولار في نهايتها، أي بزيادة تقارب 73% خلال اثني عشر شهرًا فقط، في سياق عالمي مشحون بالأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية الممتدة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط مرورًا بآسيا، ومع تصاعد الشكوك حول مستقبل التجارة العالمية وهيمنة الدولار كعملة مرجعية.
ويبدو أن التوترات الجيوسياسية المتسارعة، إلى جانب عودة السياسات الحمائية والرسوم الجمركية، أعادت للذهب مكانته التقليدية كملاذ آمن حين يشتد عدم اليقين. وفي هذا الإطار، يشير الخبير “ماثيو مايكل” من مؤسسة شرودرز لإدارة الأصول إلى أن “كل الذهب الذي تم استخراجه عبر التاريخ يمكن أن يملأ فقط ثلاث مسابح أولمبية ونصف”، في إشارة قوية إلى ندرته وقيمته في أزمنة المخاطر.
هذا الدور الدفاعي انعكس مباشرة على الأسعار؛ إذ تجاوز الذهب 3.000 دولار في مارس، ثم اخترق حاجز 4.000 دولار في أكتوبر، قبل أن يستقر فوق 4.500 دولار للأونصة مع نهاية السنة، في مسار صعودي مستمر يعكس قوة الطلب وتزايد الإقبال عليه عالميًا.
الصعود لم يكن مجرد موجة ظرفية، بل نتيجة لتحول استراتيجي تقوده البنوك المركزية عبر العالم، خاصة في الدول الصاعدة التي كثفت منذ 2022 عمليات شراء الذهب بحثًا عن حماية اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على الدولار، بعد تجربة العقوبات الغربية على روسيا وما رافقها من تجميد احتياطات مالية، وهو ما دفع العديد من الدول إلى اتخاذ احتياطات وقائية مشابهة. ومع ذلك ما تزال اقتصادات كبرى، مثل الصين، تمتلك هامشًا واسعًا لتعزيز احتياطاتها الذهبية، ما يعني أن موجة الطلب مرشّحة للاستمرار.
كما لم يقتصر الإقبال على الحكومات والبنوك المركزية فقط، بل امتد بقوة إلى المستثمرين وصناديق الاستثمار الدولية، حيث تدفقت رؤوس أموال ضخمة نحو الأصول الذهبية باعتبارها ضمانة للاستقرار في فترة تتسم بالتقلبات. وبينما تتوقع مؤسسات إدارة الأصول استمرار الاتجاه الصعودي خلال 2026، فهي ترجّح أن يكون بوتيرة أهدأ مع إمكانية حدوث بعض التصحيحات التقنية الطبيعية.
واليوم يطرح السؤال: هل هو وقت البيع أم الاستمرار في الاحتفاظ؟ أغلب الخبراء يميلون إلى أن السوق قد تعرف تراجعات محدودة دون التأثير على الاتجاه العام الصاعد، وينصحون باستراتيجيات متوازنة تقوم على بيع جزئي لمن يحتاج إلى السيولة مع الاحتفاظ بجزء استراتيجي طويل الأجل. وبالنسبة للمغرب، يظهر تأثير هذا التحول على أكثر من مستوى، سواء لدى الأسر التي ترى في الذهب وسيلة ادخار تقليدية، أو في أسواق المجوهرات التي قد تتجه نحو زيادة عمليات البيع بدل الشراء بفعل ارتفاع الأسعار، إضافة إلى البعد الوطني الاستراتيجي المرتبط بأهمية الذهب كضمان في زمن تتراجع فيه الثقة بالعملات الورقية.
في المحصلة، يمكن القول إن 2025 كان بالفعل “عام الذهب” بامتياز؛ ليس فقط لأن أسعاره سجلت ارتفاعًا قياسيًا، بل لأنه كشف عن تحول عميق في طريقة تفكير الدول والمستثمرين على حد سواء، حيث أصبح البحث عن الأمان المالي أولوية كبرى. أما 2026، فهي تبدو محطة جديدة لمسار ما يزال مفتوحًا على مزيد من الاحتمالات… وربما مزيد من الارتفاع.
29/12/2025