أنهت الشرطة الوطنية الإسبانية عام 2025 بإعلان ما وصفته بـ“أرقام قياسية” في الحرب على ما يُعرف بـ“البِطاكيّو”؛ أي شبكات تزويد قوارب التهريب بالوقود، خصوصًا تلك الناشطة بين خليج قادش ومضيق جبل طارق، وهي المنطقة التي ترتبط بشكل مباشر بالأنشطة الإجرامية العابرة للحدود والتي تمس أمن إسبانيا والمغرب على حد سواء.
وحسب المعطيات الرسمية للشرطة الإسبانية، فقد تم خلال العام تنفيذ سبع عمليات أمنية نوعية أسفرت عن اعتقال 26 شخصًا وحجز أكثر من 112 ألف لتر من البنزين، إضافة إلى مصادرة أزيد من 4.500 حاوية وقود كانت موجّهة لقوارب سريعة تُستخدم عادة في تهريب المخدرات عبر المسارات البحرية التي تفصل جنوب إسبانيا عن السواحل المغربية.
آخر عملية خلال هذا العام جرت بمدينة إل بويرتو دي سانتا ماريا، حيث أوقفت الشرطة الإسبانية أربعة أشخاص كانوا بصدد التعامل مع كمية كبيرة من الوقود داخل منطقة سكنية، في ظروف خطيرة تهدد سلامة المواطنين.
وخلال التدخل الأمني، ضبطت الشرطة 75 حاوية بسعة 25 لترًا لكل واحدة (بمجموع 1.875 لترًا) إضافة إلى حجز سلاح أبيض بحوزة أحد الموقوفين الذي كان ممنوعًا قضائيًا من حمل السلاح.
شددت السلطات الإسبانية على أن تخزين هذه الكميات الهائلة من الوقود داخل أحياء مأهولة يمثل خطرًا مباشرًا على السلامة العامة، بالنظر إلى احتمال وقوع انفجارات أو حرائق، وهي نقطة لطالما أثارتها السلطات المغربية بدورها في ملف مكافحة شبكات التهريب التي لا تهدد الأمن فقط، بل تمس أيضًا البيئة وسلامة الساكنة على ضفتي المتوسط.
تُعتبر هذه العمليات جزءًا من سياسة “الضغط المستمر” التي تعتمدها مدريد لضرب البنية اللوجستية للمهربين، خاصة بعدما أصبحت قوارب “الناركولانشاس” عنصرًا أساسيًا في عمليات تهريب المخدرات القادمة من شمال المغرب باتجاه إسبانيا ومنها إلى باقي أوروبا. وفي السياق ذاته، يبرز التعاون الأمني بين الرباط ومدريد كعامل حاسم في التضييق على هذه الشبكات، رغم التحديات المستمرة.
وبهذه العملية، تختتم الشرطة الإسبانية عامًا مطبوعًا بكثافة التدخلات والإجراءات الأمنية، مع تأكيد السلطات عزمها مواصلة الحرب على شبكات الوقود والتهريب خلال سنة 2026، في منطقة تُعد من أكثر النقاط حساسية على مستوى البحر الأبيض المتوسط.
تأتي هذه التطورات في سياق إقليمي شديد الحساسية، حيث يشكل مضيق جبل طارق وخليج قادش أحد أهم الممرات البحرية التي تعتمد عليها شبكات الجريمة المنظمة الناشطة في تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية. فهذه القوارب السريعة التي يتم تزويدها سرًا بكميات كبيرة من الوقود لا تُستخدم فقط في نقل شحنات المخدرات، بل تحولت أيضًا إلى وسيلة خطيرة تستغلها شبكات الاتجار بالبشر لنقل مهاجرين سريين في ظروف غير إنسانية، بما يحمله ذلك من مخاطر جسيمة على الأرواح واستغلال للفئات الضعيفة.
وفي ظل هذا الواقع، ترى السلطات الإسبانية أن ضرب “الذراع اللوجستية” لهذه العصابات –وخاصة خطوط تزودها بالوقود– يمثل خطوة حاسمة لتفكيك منظوماتها وتقييد قدرتها على الحركة. كما أن هذه الجهود تبقى مرتبطة بشكل مباشر بالتعاون الأمني المتقدم مع المغرب، الذي يخوض بدوره حربًا مفتوحة ضد الشبكات ذاتها الناشطة على ضفتي المتوسط، نظرًا لما تشكله من تهديد للأمن الإقليمي والاستقرار المجتمعي وصورة المنطقة على المستوى الدولي.
30/12/2025