حمزة المتيوي :
لم يكن حديث مدرب المنتخب الفرنسي، ديديي ديشان، عن كونه يرغب في أن تظل مباراة المغرب وفرنسا في نصف نهائي كأس العالم، المقررة غدا الأربعاء على ملعب البيت في مدينة الخور القطرية، ضمن إطارها الرياضي وبعيدة عن السياسة، (لم يكن) اعتباطيا، لأن المباراة تأتي في سياق سياسي مشحون بين بلدين جمعتهما تاريخيا الكثير من المصالح التي لم تُنسِ المغاربة أن فرنسا كانت البلد الذي احتل أراضيهم لـ44 عاما.
ودعا ديشان في تصريحات نقلتها وسائل إعلام فرنسية عشية المباراة التي يلعبها المغاربة لأول مرة، إلى التركيز على المباراة فقط بغض النظر عن التعليقات السياسية المحيطة بها، موردا “سواء قبل اللقاء أو بعده يجب أن نظل في نطاق كرة القدم، حتى ولو كان هناك كثير من التاريخ وكثير من الشغف”، وأضاف “بصفتي رياضيا أحب أن أظل في مكاني، واللاعبون أيضا يريدون ذلك، هذا هو الأمر الجيد”، رافضا أن يصف تشجيعات الجماهير المغربية في المدرجات بـ”الأجواء العدائية”.
لكن الحمولة السياسية للمباراة آتية من فرنسا نفسها، فوزير الرياضية أميلي أوديا كاستيرا، أعلنت أول أمس الأحد أنها سترافق الرئيس إيمانويل ماكرون إلى قطر لحضور لقاء نصف النهائي ضد المغرب، مبرزة أن الأمر يتعلق بتعهد قطعه الرئيس على نفسه بحضور نصف نهائي أو نهائي المونديال في حال تأهل منتخب “الديوك”، هذا الأخير الذي كتب على تويتر بعد فوز منتخب بلاده على إنجلترا “مبروك للزُرق، كل البلد يدعمكم، سنذهب معا إلى النهائي”، وأضاف في رسالة للمغاربة “نحيي فوزكم التاريخي، موعدنا في نصف النهائي”.
لكن الأمر بالنسبة للكثير من المشجعين المغاربة مختلف، ويتعلق بالرغبة في الفوز على منتخب بلد يرون فيه الكثير من التعامل المتعالي مع الأفارقة، ويعتبرون أن تصريحات رئيسه تحمل “عداء” للإسلام، وأيضا لا زال يمثل بالنسبة لهم “المستعمر السابق” والدولة التي تجد لها دائما حظوة غير مستحقة في المنظومة الاقتصادية المغربية، لذلك انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للمنتخب المغربي من أجل بذل كل الجهد لإسقاط فرنسا تحديدا وإلحاقها بـ”المستعمر السابق الآخر” منتخب إسبانيا.
وإن كان الأمر هكذا على المستوى الشعبي، فإنه على المستوى الرسمي أيضا يأتي في ظل وضع غير طبيعي بين الرباط وباريس، حيث البرود هو سيد الموقف منذ العام الماضي، بحكم الأزمة التي تسبب فيها قرار الحكومة الفرنسية خفض التأشيرات المسلمة للمواطنين المغاربة بـ50 في المائة، وأيضا رغبة المغرب في دفع فرنسا إلى التعامل مع طرح مغربية الصحراء بجرأة أكبر، من خلال إعلان دعم مخطط الحكم الذاتي بشكل صريح، على غرار ما فعلته ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي.
وتأتي مباراة الغد قبل يوم واحد فقط على زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إلى المغرب، حيث ينتظر أن تجتمع مع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، وفق ما أكدته رسميا المتحدثة باسم الوزارة يوم الخميس الماضي، والتي أكدت أن من بين الملفات التي ستتم مناقشتها قضية التأشيرات، متوقعة أن يكون السفير الجديد لفرنسا كريستوف لوكورتيي، قد وصل بالفعل إلى المملكة تزامنا مع الزيارة.
لكن الوزيرة التي ستظل في المغرب يومي 15 و16 دجنبر، لم تأتِ بسبب ملف التأشيرات فقط، بل أيضا من أجل ترتيب زيارة الرئيس ماكرون إلى المملكة للقاء بالملك محمد السادس، والمتوقعة نهاية شهر دجنبر أو بداية يناير المقبل، سعيا لطي صفحة الخلاف بين البلدين، والتي جعلت من مباراة لكرة القدم فرصة أخرى متاحة للمغاربة من أجل الاستمرار في التعامل بنِدِّية مع الفرنسيين على جميع المستويات.
13/12/2022