تم التركيز خلال الحملة الانتخابية التي تشهدها دائرة الدريوش، لملء مقعدين برلمانيين في إطار انتخابات جزئية ، مقررة في 13 من يونيو الجاري ، والتي ستعاد للمرة الثالثة .
فكما لاحظ ذلك معظم المهتمين، على خطاب “محاربة الفساد والمفسدين”، حيث انبرى المترشحين الثلاثة، الأكثر حظوظا لكسب المقعدين ( الفتاحي ، الفضيلي ، وأشن ) خلال الحملة ببقاع إقليم الدريوش القاحل والغائب عن برامج التنمية، للتنديد بالمفسدين وتزكية أنفسهم باعتبارهم الأبطال المنقذين من هذه الآفة، وذلك بمن فيهم الذين عرفوا بضلوعهم في استعمال كل الطرق غير الشريفة للحصول على الأصوات واحتلال الإنتخابات التشريعية الجزئية الأخيرة ، التي شهدها الإقليم في 29 من شتنبر 2022 .
ويسود.بالدريوش منظور اختزالي عن الفساد والمفسدين، المتجسد في أغلب المترشحين في هذه الانتخابات باعتبارهم العقبة أمام تطور التجربة الديمقراطية بالإقليم ، واستعادة سكان المنطقة لثقتهم في المؤسسات، لكن الحقيقة أن المعضلة الكبرى لا تتمثل في وجود مرشحين مفسدين، ذلك أنه في إطار نسق سياسي نظيف يسهل كثيرا معاقبة أمثال هؤلاء وردعهم وإبعادهم عن العملية الانتخابية، بينما استمرار وجودهم رغم الإجماع الفولكلوري والبلاغي ضدّهم، يعني فقط وبوضوح استمرار الحاجة إليهم من طرف السلطة الإقليمية ، فسواء تعلق الأمر بالذين قاموا بتوزيع المال جهارا كما هو حال المرشح عن الأصالة والمعاصرة ، والمرشح عن الحركة الشعبية، وكذلك الشأن لمرشح الميزان ولو بنسبة أقل ، بدون خجل أو وجل، أو بالذين استعملوا عصابات من المنتخبين لإرشاء المواطنين عبر توزيع المؤن والمواد الغذائية وخرفان العيد ، ليعودوا بعد ذلك بنفس الوجوه في إطار حملة انتخابية لحزب سياسي يدّعي تبرأه من الفساد، أو تعلق الأمر بمن يحتجز المواطنين ويقوم بشحنهم كالبهائم من أجل التصويت عليه، أو بمن يستعمل المنحرفين وقطاع الطرق ، حيث تتعدّد أوجه الفساد وتتنوع بالإقليم ، وخلال كل إنتخابات ، ومنذ الإستقلال إلى الآن .
إن الفساد بإقليم الدريوش يتخذ طابعا أكثر خطورة عندما يصبح خاصية بنيوية للنسق الإنتخابي، فالسلطة الإقليمية بحاجة إلى المفسدين بكل الطرق، لأن ذلك ما يضمن حدا أدنى من الناخبين، إذ بدون الفساد والمفسدين ستكون نسبة المشاركة مهولة في تدنيها، مما سيجعل عملية الاقتراع أكثر عبثية، كما أن المنتخبين الفاسدين وهم الأغلبية الساحقة في مختلف جماعات الإقليم، يصبحون أكثر طواعية بالنسبة للسلطة، التي لم تكن في يوم ما مستعدة للتخلي عن تدبير الشأن المحلي لـ”ممثلي الشعب”، إلا في حدود مرسومة ومراقبة، تضمن الحفاظ على تراتبية الولاء وعلى مصالح الدوائر المستفيدة .
ذ : عبد السلام البارودي
05/06/2023