يبدو أن مسلسل الفساد الذي لحق تدبير ملف السكنيات بمديرية التعليم بالناظور في العهد البائد ، عهد المديرة المقالة، لا يكاد ينتهي، فهو لا يزال مستمراً، متأصّلاً ومتجذراً، عجز معه المدير الحالي عن استئصال شأفته، حيث فشل في إحداث التغيير المنشود الذي حلمت به أسرة التربية والتعليم بالإقليم، وتعذرت عليه قيادة سفينة هذه المديرية وإيصالها إلى شاطئ الأمان، لا لشيء، سوى لأنه اصطدم بالإرث النّتن من الملفات الفاسدة التي خلّفتها المسؤولة السابقة وراء ظهرها، وما زرعته من ألغام ومطبات في طريقه، وما خلقته من لوبي الممانعة ومقاومة الإصلاح المتكون من بعض رؤساء المصالح المحيطين به، والذين أضحوا شوكة في خاصرة المسؤول الجديد وحَجَرة في نعله تعيق عزمه على التغيير والإصلاح.
ولعل أبرز عنوان لملفات الفساد الذي ينخر دواليب هذه المديرية، هو ملف السكنيات التي وزعتها المديرة السابقة بهواها ومزاجها خارج الضوابط القانونية ، وعلى عدد من ذوي الحظوة من موظفي المديرية والمفتشين التربويين وأحد الأساتذة المفرج عنه مؤخرا من السجن، والموقوف عن العمل بسبب إدانته بتنظيم الهجرة السرية والمتاجرة في البشر، والذي منحته المديرة السابقة سكناً إدارياً تابعاً لإعدادية الزرقطوني نظير تهجير أخيها إلى الديار الإسبانية، كما استفاد عدد من رؤساء المصالح بدورهم من كعكة السكنيات هذه بصفة مجانية (رئيس مصلحة المالية، ورئيس الشؤون القانونية، حيث لا يؤدون سنتيماً واحدا للأملاك المخزنية، في خرق سافر للقوانين الجاري بها العمل، التي تُلزم قاطني المساكن الوظيفية والإدارية – حتى المُحتلين منهم – بأداء السومة الكرائية، تُقتطع من رواتبهم، باستثناء المزاولين لمهام الحراسة المستديمة من الأعوان والمساعدين التقنيين الذي يُستثنون من الأداء.
ولما كان حاميها حراميها، فإن رئيس الشؤون القانونية المفروض فيه حماية القانون والسهر على تنفيذه، والذي بساديته التي تجعله ينتشي انتشاءً كلما صدر حكم قضائي بإفراغ بعض محتلي السكنيات من صغار الموظفين الذين لا يملكون بديلاً، نجده لا يستحيي، ولم يتورع أبداً عن استغلال منصبه ونفوذه للاستيلاء بشكل غير قانوني على مسكن من طابقين اثنين بمدرسة الإمام مالك، سطا عليهما سطواً تحت جنح الظلام، حيث جعل من الطابق العلوي مأوى له ولعائلته، وخصّص جناحاً من الطابق السفلي مرآباً لسيارته، وجناحاً آخر منه “ضيْعة” لتربية الماشية، وخُمّاً لإيواء الدواجن، علماً أن هذا المسكن الذي حوله صاحب الشراكة إلى مأوى للدجاج، كان قد احتله قبل ذلك المدير الإقليمي الحالي لما كان رئيساً لمصلحة التخطيط وشرع في إصلاحه، قبل ان يستغفر الله ويتوب إليه من هذا الذنب العظيم، فتخلى عنه لما كشفت المنابر الإعلامية، ومنها كواليس الريف، فضيحة تنافس رؤساء مصالح المديرية على سرقة السكنيات المخزنية واحتلالها عنوة، وإذاك وجدها صاحب الشراكة والقانون والتواصل فرصة سانحة ليضم هذا الطابق الأول إلى الطابق الثاني الذي سطا عليه من قبل.
وقد أضحى المعني بالأمر يتصرف في المسكنين تصرف المالك الحقيقي لهما، كأنهما مُحفظيْن باسمه، آلا إليه عن طريق الميراث أو الشراء، فأدخل تعديلات وإصلاحات على المسكنين، مغيّراً البنية الهندسية للطابق السفلي الذي حوّله إلى كراج واصطبل حيواني، دون الحصول على التراخيص القانونية من الجهات المختصة، والتي تُخول له فعلْ ما فَعَل.
وكما استفاد من السكنين بصفة مجانية وخارج الضوابط القانونية، فإن إصلاحهما يجب أن يكون أيضاً مجاناً، وهو ما تحقق له من خلال استعانته بعدد من دلاء الصباغة المخصصة للمؤسسات التعليمية التي قرصنها من مخزن المديرية من أجل طلاء جدران المنزلين المحتلين، وكذا اختلاسه مواد البناء من آجور مدرسة الفرصة الثانية “الإمام مالك” ورمالها، والتي تزامن إصلاحها وترميمها مع إصلاح منزليه.
إن الرأي العام التعليمي بالإقليم، يُحمّل المدير الإقليمي الحالي مسؤولية عجزه عن تصحيح وضعية هذه السكنيات، بطرد المحتلين وإفراغهم منها، حيث أن سكوته هذا يعتبر مهادنة للوبي الفساد في المديرية وتواطؤأ معه .