لم يكن قرار إلغاء شعيرة الأضاحي لهذا العام سابقة في تاريخ المغرب، بل هو امتداد لقرارات سابقة اتخذتها السلطات في فترات تميزت بأزمات اقتصادية أو مناخية خانقة. إلا أن تحليل هذه القرارات يكشف عن دلالات أعمق تتجاوز الظرفية الراهنة، إذ تعكس طبيعة العلاقة بين العوامل الاقتصادية، والتوجهات السياسية، والممارسات الدينية في المجتمع المغربي.
-إلغاء الأضحية بين الاعتبارات الاقتصادية والمجتمعية
قرار الإلغاء ليس مجرد استجابة لمؤشرات اقتصادية ظرفية، بل هو انعكاس لسياسة إدارة الموارد في أوقات الأزمات. فعندما أصدر الملك الراحل الحسن الثاني قرار إلغاء الأضحية عام 1996، كان المغرب يعاني من جفاف حاد أثر على المخزون المائي والزراعي، مما دفع الدولة إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لحماية الاقتصاد الوطني وتقليل الأعباء المالية عن المواطنين. كذلك، في عامي 1963 و1981، جاء قرار الإلغاء في سياق أزمات اقتصادية خانقة، وهو ما يبرز وجود نمط متكرر في التعامل مع الظروف الطارئة، حيث يتم تقديم الاعتبارات المعيشية والاقتصادية على الشعائر الدينية غير الواجبة شرعًا.
لكن هذه القرارات لم تكن خالية من الجدل، إذ انقسمت ردود الفعل بين من رأى فيها خطوة ضرورية للحفاظ على التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ومن اعتبرها تدخلاً في شعيرة دينية محورية في وجدان المغاربة، حتى وإن كانت مشروطة بالقدرة والاستطاعة. هذا الجدل يعكس التفاعل المستمر بين البعد الديني والسياسي، حيث تسعى الدولة إلى الحفاظ على استقرارها عبر قرارات تراعي التوازن بين احترام الشعائر الإسلامية ومتطلبات الواقع الاقتصادي.
-القرار في سياق التغيرات الاقتصادية والمناخية
على الرغم من أن المغرب لم يشهد هذا العام أزمة جفاف حادة كالتي عرفها في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن التحديات الاقتصادية الراهنة لا تقل خطورة. فتراجع القطيع الوطني بنسبة 38% مقارنة بعام 2016، وارتفاع أسعار المواشي نتيجة نقص العرض وزيادة الطلب، يعكس تأثيرات التغير المناخي والسياسات الزراعية المتبعة. ومع ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، كان من الطبيعي أن تتعالى الأصوات المطالبة بتخفيف العبء عن المواطنين، وهو ما استجابت له الدولة عبر قرار الإلغاء.
إضافةً إلى ذلك، يثير القرار تساؤلات حول مستقبل السياسات الفلاحية في المغرب، فهل سيكون إلغاء الأضحية مؤشرًا على ضرورة إعادة النظر في استراتيجيات دعم صغار المربين وتعزيز الأمن الغذائي؟ وكيف ستتعامل الدولة مع التحديات البيئية والاقتصادية المتزايدة لضمان استقرار القطاع الفلاحي؟
-إلغاء الأضحية بين القرار السياسي والبعد الديني
يبرز قرار إلغاء الأضحية في المغرب كجزء من نهج أوسع للدولة في إدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. فعلى الرغم من كونه قرارًا يستند إلى مبررات عقلانية مرتبطة بواقع المعيشة والاقتصاد، إلا أنه يعكس أيضًا طبيعة العلاقة بين السلطة والدين في بلد يرتكز نظامه السياسي على إمارة المؤمنين، حيث يُتوقع من القيادة اتخاذ قرارات تراعي الشرع الإسلامي، لكن بما يتناسب مع المصلحة العامة.
من جهة أخرى، فإن قرار الملك بذبح الأضحية نيابة عن الشعب يحمل دلالات رمزية مهمة، إذ يسعى إلى التأكيد على استمرار الشعيرة بشكل تمثيلي، مما يحدّ من الانتقادات المحتملة من الجهات التي قد ترى في الإلغاء تجاوزًا للموروث الديني. هذه الرمزية تعكس أسلوب الحكم في المغرب، حيث يتم تقديم التفسيرات الدينية للقرارات السياسية بطريقة تحافظ على شرعية النظام وتجنب إثارة انقسامات اجتماعية حادة.
يبقى التساؤل الأهم: هل يمثل إلغاء الأضحية لهذا العام مجرد استجابة ظرفية، أم أنه يشير إلى تغييرات أعمق في طريقة تعامل المغرب مع الأزمات الاقتصادية والمناخية؟ إن تكرار مثل هذه القرارات في فترات الأزمات يطرح تحديًا على صناع القرار، فبدلًا من الاقتصار على الحلول المؤقتة، قد يكون من الضروري التفكير في إصلاحات هيكلية تضمن استدامة القطاع الفلاحي، وتعزز قدرة المواطنين على مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، دون الحاجة إلى اتخاذ قرارات استثنائية تمس الطقوس والممارسات الاجتماعية والدينية.
27/02/2025