ينظم حصن فيكتوريا غراندي معرضًا يحيي الذكرى الـ250 لما تسميه السلطات الإسبانية “رفع الحصار” عن مدينة مليلية المحتلة. يستمر المعرض حتى سبتمبر المقبل، ويقدم مجموعة من الأنشطة والفعاليات التي تروي الرواية الإسبانية عن الحدث، باعتباره “انتصارًا” للقوات الإسبانية خلال حصار دام مائة يوم، فرضه السلطان المغربي سيدي محمد بن عبد الله عام 1775.
من منظور مغربي، تبقى مليلية مدينة ذات جذور مغربية عميقة، تحتلها إسبانيا منذ أكثر من خمسة قرون. والحصار الذي تعرضت له عام 1775 لم يكن سوى جزء من محاولات المغرب المتكررة لاستعادة سيادته على المدينة. فحكم السلطان محمد بن عبد الله تميز برؤية إصلاحية شاملة، وكان من أولوياته استعادة الأراضي المغربية المحتلة، وتعزيز قوة البلاد في مواجهة التدخلات الأجنبية.
المعرض، كما هو متوقع، يقدم سردًا إسبانيًا للأحداث، يسلط الضوء على “شجاعة المدافعين” الإسبان، ويتجاهل السياق الأوسع، الذي يتمثل في الاحتلال غير الشرعي لمليلية. فالحصار لم يكن عدوانًا من المغرب، بل كان رد فعل طبيعيًا لدولة تسعى لاستعادة جزء من أراضيها المغتصبة.
يتضمن البرنامج جولات إرشادية، وعروضًا مسرحية، وحفلات موسيقية، تسعى كلها إلى تعزيز الرواية الإسبانية. ومن بين الأنشطة، جولة مسرحية تجسد شخصية المارشال الايرلندي شيرلوك، أحد القادة العسكريين الإسبان خلال الحصار، في محاولة لمنحه طابعًا بطوليًا. لكن ماذا عن الجانب المغربي؟ لماذا لا يُروى دور الجيش المغربي، وخطط السلطان سيدي محمد بن عبد الله؟
التاريخ لا يُكتب بوجهة نظر واحدة. وإذا كانت إسبانيا تحيي ذكرى ما تسميه “رفع الحصار”، فمن واجب المغرب أن يبرز الحقائق التاريخية التي تؤكد أن مليلية جزء لا يتجزأ من ترابه الوطني، وأن استعادتها كانت ولا تزال حقًا مشروعًا. فتخليد ذكرى “الدفاع عن مليلية” لا يمكن أن يلغي حقيقة أنها مدينة مغربية محتلة، وأن حصار 1775 كان خطوة مغربية لاسترجاع الأرض، لا مجرد هجوم عابر.
معرض “رفع الحصار” عن مليلية ليس مجرد حدث ثقافي، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لتكريس الاحتلال الإسباني للمدينة وإعادة صياغة التاريخ بما يخدم مصالح مدريد. من الضروري أن يظل المغرب واعيًا بمثل هذه الأنشطة، ويعمل على إبراز روايته الحقيقية، من خلال دعم البحث التاريخي، وتنظيم معارض وأحداث مماثلة تسلط الضوء على الحقائق التاريخية، وتعزز المطالب المشروعة باسترجاع مليلية وسبتة.