شهدت الساحة السياسية المغربية تطورات مهمة من خلال التعيينات الملكية الأخيرة التي مست مؤسسات حيوية مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومؤسسة الوسيط، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. هذه التعيينات تعكس وعياً رسمياً بضرورة إعادة هيكلة مؤسسات “العقد الاجتماعي”، التي تُشكل ركيزة أساسية في تعزيز الشفافية والحكامة الرشيدة، وتعمل بموازاة مؤسسات “العقد الأغلبي”، التي تعبر عن التمثيلية السياسية والحزبية. في ظل صعود إيديولوجية الشفافية، أضحت الحاجة ملحة لتقوية مؤسسات الوساطة والاستماع، بهدف ترميم الفجوات وتعزيز ثقة المواطنين في العمل المؤسساتي.
من جهة أخرى، جاءت هذه التعيينات في سياق سياسي صعب، حيث برزت تحديات أمام الحكومة الحالية، أبرزها تباين مواقف مكونات الائتلاف الحكومي حول المستقبل السياسي، مما أضعف مصداقية مؤسسات “العقد الأغلبي” وعزز الشكوك حول مدى قدرتها على التجاوب مع انتظارات المواطنين. في ظل هذا الواقع، كان تدخل المؤسسة الملكية ضرورياً لضخ دماء جديدة في مؤسسات الحياد، بما يضمن إعادة التوازن بين الفاعلين السياسيين والمؤسسات الرقابية، وإعطاء دفعة جديدة لمنظومة الحكامة. إن تحريك آليات الحكامة الجديدة يأتي استجابةً للعجز الذي أظهرته الآليات التقليدية في مواجهة التحديات الراهنة.
في هذا الإطار، عكست التعيينات الملكية توجهاً نحو اختيار شخصيات ذات طابع متعاون، مما يعزز منسوب التوافق بين مؤسسات العقد الاجتماعي والعقد الأغلبي. فديمقراطية القرن الحادي والعشرين لا تقتصر على منطق الأغلبية العددية، بل تستند إلى تكامل الأدوار بين مختلف المؤسسات، لضمان التفاعل البناء بين إيديولوجية الشفافية ومتطلبات الحكامة الرشيدة، وهو ما يكرس نموذجاً مغربياً فريداً في إدارة التعددية المؤسسية.
28/03/2025