في خطوة تُظهر تناقض الخطاب السياسي مع مقتضيات السيادة، يواصل الحزب الشعبي الإسباني استغلال ملف الصحراء الغربية كورقة ضغط داخلية، من خلال تقديم مقترح غير ملزم للجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان، يسعى من خلاله إلى تعطيل أي تفاهمات ثنائية بين مدريد والرباط بشأن إدارة المجال الجوي فوق الصحراء الغربية.
المقترح، الذي لا يتعدى كونه محاولة للظهور بمظهر المدافع عن “المصالح الوطنية”، يطالب الحكومة بالانصياع الصارم لتوصيات منظمة الطيران المدني الدولي، متناسياً أن هذه الهيئة نفسها لا تملك صلاحيات تمنع الدول من إعادة التفاوض بشأن ترتيباتها السيادية، خاصة في إطار اتفاقات ثنائية معلنة.
ورغم إقرار وزارة الخارجية الإسبانية سابقاً بوجود مفاوضات مع المغرب، إلا أن الحزب الشعبي يصرّ على وصف التقدم في هذا الملف بـ”الغموض”، متغافلاً عن أن التكتم أحياناً يُعد ضرورة دبلوماسية في مراحل التفاوض الحساسة.
الغريب أن الحزب ذاته، الذي يعارض اليوم بشدة نقل إدارة المجال، سبق أن شارك في إجهاض مقترح مشابه لحزب EH Bildu في فبراير الماضي، وهو ما يطرح تساؤلات حول صدقية موقفه ومدى انسجامه مع خطاباته الشعبوية الحالية.
ويستند الحزب في اعتراضه إلى تفويض يعود لسنة 1976 من منظمة الطيران المدني الدولي، متجاهلاً أن هذا الوضع كان مؤقتاً منذ البداية، وأن العالم تغير جذريًا منذ ذلك الحين، كما أن المنظمات الدولية نفسها باتت تدفع نحو حلول تفاوضية، لا إلى التمسك بالوضع القائم.
ولم يتوانَ الحزب عن المزايدة السياسية، إذ وصف أي تسليم محتمل لإدارة الأجواء بأنه “خيانة وطنية”، في خطاب يفتقر إلى الحكمة ويغذّي مشاعر العداء بدل الدفع نحو شراكة متوازنة مع الجار الجنوبي.
الأخطر من ذلك، هو تحذيره من “اعتراف ضمني بسيادة المغرب” على الصحراء، وكأن إدارة مجال جوي، ولو بتوافق ثنائي، تساوي في عرفه إقرارًا قانونيًا بمطالب السيادة، متجاهلاً أن العلاقات الدولية الحديثة تقوم على المرونة والتفاهم وليس على الجمود السياسي.
أما الإشارة إلى موقف المفوضية الأوروبية الرافض لتوسيع اتفاقيات الطيران لتشمل الصحراء، فهي محاولة انتقائية لتضخيم المخاطر، رغم أن بروكسل نفسها تترك للدول الأعضاء هامشاً واسعاً في عقد تفاهمات ثنائية.
باختصار، يوظف الحزب الشعبي هذا الملف الحساس لتسجيل نقاط سياسية داخلية، في تجاهل تام لحقيقة أن الأمن الإقليمي والاستقرار في الفضاء الجوي لا يمكن أن يتحققا دون تنسيق مباشر وصريح بين الدول المعنية، وعلى رأسها المغرب وإسبانيا.
08/04/2025