kawalisrif@hotmail.com

المسؤولية تبدأ بالاعتراف – اتفاق ائتلاف الحكومة الألمانية الجديدة  يتجاهل المسلمين !!

المسؤولية تبدأ بالاعتراف – اتفاق ائتلاف الحكومة الألمانية الجديدة يتجاهل المسلمين !!

كولونيا – أعرب المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا عن بالغ قلقه إزاء الثغرات الجوهرية والتركيز غير المتوازن في أولويات اتفاق الائتلاف الحكومي لعام 2025. فبينما تعتزم أحزاب الائتلاف الحكم تحت شعار “المسؤولية من أجل ألمانيا”، يتم تجاهل شريحة أساسية من المجتمع الألماني، ألا وهي المسلمون والمسلمات.

والأمر الأكثر إثارة للقلق في هذا الصدد هو الغياب التام لأي إشارة صريحة إلى الإسلاموفوبيا – على الرغم من أن المواقف والاعتداءات المعادية للإسلام والمسلمين في ألمانيا موثقة منذ سنوات، وباتت واقعا معاشا، وجزءا من الحياة اليومية لكثير من المسلمين. من أجل ذلك تظل الخطة الوطنية لمكافحة العنصرية التي أعلن عنها الائتلاف غامضة وناقصة في هذا السياق. فأي استراتيجية تهدف إلى مكافحة التمييز يجب أن تُسمّي كل ألوانه ومظاهره بشكل واضح وجلي – بما فيها تلك التي تطال المسلمين.

اتفاق الإئتلاف لم يتطرق إلى الوجود الإسلامي في ألمانيا ولو بكلمة. والأسوأ من ذلك، الغياب التام لأي اعتراف إيجابي أو تقدير للمسلمين في نص الاتفاق كله. فمساهمات الجمعيات الإسلامية في مجالات التعليم، والخدمات الاجتماعية، والثقافة، والسلم المجتمعي تم تجاهلها بشكل مطلق. في حين أن مصطلح “الإسلام” لم يستخدم سوى في سياق مكافحة التطرف “الإسلاموي” والتهديدات الأمنية. إن هذه النظرة الأحادية تعكس تصورا مشوّها للواقع، وتبعث برسالة سياسية خاطئة.

على الصعيد السياسي، يتجاهل الائتلاف أيضا واقعا مجتمعيا متناميا: فالمسلمون ليسوا جزءا ثابتا من هذا المجتمع فحسب، وإنما يُشكلون أيضا قوة انتخابية لا يستهان بها. فقد أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن شريحة كبيرة من الناخبين المسلمين صوّتت لأحزاب يسار الوسط – لا سيما تلك التي قدّمت برامج جدية تعترف بالمسلمين، وتقدرهم، ولا تتجاهل وجودهم، وتضعهم على صعيد واحد مع باقي الطوائف الأخرى. وهذا الواقع يؤكد أن من يدعو بصدق إلى المشاركة المجتمعية عليه أن يأخذ المسلمين في الحسبان ولا يتجاهلهم.

لكن على الرغم من ذلك تكشف السياسات المتعلقة بالهجرة في اتفاق الائتلاف عن توجه مغاير تماما، إذ يطغى عليها خطاب التقييد والإقصاء. فالإعادة القسرية، والعقوبات، وفرض القيود هي اللغة الطاغية في نص الاتفاق، بينما لا يكاد يُذكر شيء عن المشاركة الاجتماعية، والانفتاح، وتكافؤ الفرص. يبدو أن أحزاب الائتلاف لم تدرك بعد حقيقة أن ألمانيا باتت منذ مدة بلد هجرة – وأن مستقبلها مرتبط بالهجرة لا يمكن أن يُبنى بدونها.

إن التوجه الديني السياسي للاتفاق لا يرقى إلى المعايير الديمقراطية. فبينما يُعترف بدور الكنائس، تبقى الطوائف الإسلامية مغيبة تماما، سواء في ما يتعلق بالتعليم الديني، أو الرعاية الروحية، أو العمل الخيري، أو حتى في التعاون المؤسسي مع الجهات الحكومية. وبذلك يظل الحوار بين الأديان، الذي كثيرا ما يُشاد به حبرا على ورق. وقد صرح عبد الصمد اليزيدي، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، في هذا الصدد بأن “من أراد أن يتحمّل المسؤولية حقا، عليه أن لا يتجاهل شرائح مجتمعية كاملة. المسلمون جزءٌ أصيل من هذا البلد، وتغييبهم البنيوي في اتفاق الائتلاف ليس صدفة، وإنما هو اعوجاج سياسي ستكون له عواقب وخيمة.”

أما في السياسة الخارجية، فتؤكد أحزاب الائتلاف – وعن حق – على حق إسرائيل في الوجود. لكن في المقابل، يبقى موقفها تجاه الوضع في الأراضي الفلسطينية غير واضح. فـ”حل الدولتين القابل للتفاوض” الذي تم الإعلان عنه لا يستند إلى أية إجراءات سياسية ملموسة. كما أن الرؤية الحقوقية لمعاناة الفلسطينيين تظل غائبة، ولا يوجد أي ذكر لآليات القانون الدولي – فنص الاتفاق لم يتطرق إلى المحكمة الجنائية الدولية ولو بكلمة واحدة.

وفي هذا الخصوص يطالب المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أحزاب الائتلاف بإعادة توجيه السياسة بشكل يفي بوعد تحمل المسؤولية المجتمعية. ويجب أن تكون في صميم هذه السياسة: الاعتراف البنيوي، والمشاركة المتساوية، والإجراءات العملية، ومن ذلك على سبيل المثال:

– الاقرار بالإسلاموفوبيا وسبل مكافحتها بشكل فعّال ضمن الخطة الوطنية لمكافحة العنصرية؛
– إبراز التواجد الإسلامي في المجال العام وتعزيزه بنيويا في التعليم، والرعاية الاجتماعية، والثقافة، وكذلك من خلال دعم حقيقي للطوائف الدينية المسلمة ومنظماتهم المدنية؛
– تعيين مفوض لشؤون الحياة الإسلامية في ألمانيا، بهدف إنشاء تمثيل مؤسسي دائم للمسلمين على المستوى الاتحادي؛
– اعتماد سياسة هجرة قائمة على حقوق الإنسان، تضع في جوهرها المشاركة والعدالة وكرامة الإنسان، وليس العزل وفرض العقوبات؛
– اعتماد سياسة دينية متساوية تدمج الطوائف الإسلامية على قدم المساواة، وتنهي التمييز المؤسسي القائم ضدها؛
– إضافة إلى نهج سياسة خارجية ترتكز على أسس حقوق الإنسان العالمية تشمل أيضا ملف التعامل مع القضية فلسطينية، وغزة، والقانون الدولي.

11/04/2025

Related Posts