kawalisrif@hotmail.com

الجزائري تبون هو من أعطى أوامره لقتل معارض فوق التراب الفرنسي

الجزائري تبون هو من أعطى أوامره لقتل معارض فوق التراب الفرنسي

في واحدة من أعقد القضايا الأمنية التي تهز العلاقات الفرنسية الجزائرية في السنوات الأخيرة، تتكشف تباعا خيوط عملية وُصفت في ظاهرها بـ”الفاشلة”، لكنها تخفي وراءها مشروعًا بالغ الخطورة، يتمثل في تصفية جسدية لمعارض جزائري فوق التراب الفرنسي، في ما بدأ كحادثة اختطاف غامضة للناشط أمير بوخرص ، تحوّل اليوم إلى ملف شائك وثقيل، تتابعه عن كثب أجهزة الاستخبارات الفرنسية والنيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب، ويكاد يُفجر فضيحة دولية ذات أبعاد دبلوماسية وأمنية كبرى، سيما وأن المؤشرات كلها تتجه نحو جهاز المخابرات الخارجية الجزائرية كمنفّذ رئيس، في عملية يُعتقد أنها جرت تحت علم ومباركة من أعلى هرم في السلطة داخل قصر المرادية عبد المجيد تبون. ووفق ما أوردته صحيفة “Le Journal du Dimanch”، فإن المعارض الجزائري أمير بوخُرْص، المعروف باسم “أمير دي زاد”، نجا من محاولة تصفية جسدية بعدما تعرض ليلة 29 أبريل 2024 لاختطاف من قبل أربعة رجال كانوا يحملون شارات “الشرطة” اعترضوا سيارته في أحد شوارع فال دو مارن، قرب منزله، وأجبروه على النزول، حيث اقتادوه إلى وجهة مجهولة، فيما استولى أحدهم على سيارته التي عُثر عليها لاحقًا محترقة.      وخلال العملية، أُجبر أمير على شرب سائل يحتوي على مادة مجهولة الطعم معدنية، تبيّن لاحقا من خلال التحاليل أنها مادة “البنزوديازيبين”، وهي مهدئات قوية قد تُسبب توقفا قلبيا، وفق ما أكده الطبيب الشرعي الفرنسي. إجبار المعارض الجزائري على تناول هذه المادة أفقده وعيه، حيث نُقل إلى غرفة حديدية معزولة تشبه مستودعًا قديمًا، بلا نوافذ، وهناك بدأ يدخل في غيبوبة تامة. وما لم يكن ليمر دون إثارة الريبة، هو ما كشفته التحقيقات الفرنسية بعد تحرٍّ دقيق لنشاط أحد “الموظفين القنصليين” الجزائريين، الذي رُصد مرارًا في محيط منزل أمير، والمقهى الذي اعتاد التردد عليه، والأخطر من ذلك، قرب موقع اختطافه واحتجازه وقت تنفيذ العملية، فيما تحليل ورصد حركة هاتف هذا الشخص القنصلي أظهرت أنه كان في محيط العملية أثناء تنفيذها، بل وكان على اتصال بأحد الخاطفين عند منتصف الليل. لكن الصدمة الأكبر، وفق الصحيفة الفرنسية تمثلت في أن هذا “الموظف القنصلي” لم يكن سوى المساعد أول “ر.”، وهو ضابط في جهاز المخابرات الخارجية الجزائرية (DGDSE)، ويعمل تحت غطاء دبلوماسي، كما يخضع لتوجيهات ضابط برتبة مقدم يدعى “ب.”، يشغل منصب “نائب قنصل”، لكنه في الحقيقة مكلف بمهام استخباراتية، بينما تم التعرف أيضًا على عنصر ثالث، هو “القائد س.”، أحد ضباط الأمن بالسفارة الجزائرية في باريس سابقًا. وبذلك، أصبحت العملية مدعومة من ثلاثة عناصر استخباراتية على الأقل، أحدهم يشغل دورًا مركزيًا في شبكة الأمن الخارجي للدولة الجزائرية، ما يرجح فرضية كون ما حدث لم يكن عملاً منفلتًا بل عملية دولة مدروسة.

ولم يتوقف الأمر عند التحركات الميدانية، إذ تكشف الصحيفة الفرنسية عن بُعدٍ أكثر خطورة في هذه العملية، يتمثل في اختراق مباشر لمؤسسات حكومية فرنسية، حيث تبين أن ضباط المخابرات الجزائرية كانوا على اتصال بمهندس معلوماتي مزدوج الجنسية (فرنسي-جزائري) يعمل في وزارة المالية الفرنسية (بيرسي)، وهذا الأخير، ووفق ما أفادت به التحقيقات، قدم للمخابرات الجزائرية بيانات شخصية تخص صحافيين، معارضين، ورجال أعمال جزائريين مقيمين في فرنسا، وقد ساعدته في هذا الاختراق موظفة اجتماعية داخل المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (OFII)، كانت تجمعها به علاقة عاطفية واستغلت صلاحياتها المهنية لتمرير بيانات حساسة. وفي دجنبر 2024، وبعد سلسلة من التحريات ألقت أجهزة الأمن الفرنسية القبض على الموظف ومساعدته، وكانت اعترافاتهما كفيلة بدفع النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب (PNAT) إلى فتح ملف رسمي تحت بند القضايا ذات الطابع الإرهابي، نظرًا لما شكّلته العملية من تهديد على الأمن القومي الفرنسي، وتم تحويل القضية إلى المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) وقسم مكافحة الإرهاب في الشرطة الجنائية. ولم يكن بالإمكان تنفيذ عملية بهذا التعقيد دون غطاء سياسي رفيع المستوى، وهو ما أكده تحقيق “Le Journal du Dimanche” الذي استند إلى مصادر جزائرية وفرنسية متقاطعة، فقد أشارت المصادر إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون أعطى الضوء الأخضر للعملية بعد فشل محاولاته المتكررة لتسلم المعارض من السلطات الفرنسية، خاصة بعد منحه صفة “لاجئ سياسي” عام 2023.

وحسب الصحيفة، فإن تبون أبدى انزعاجًا شديدًا إثر نشر أمير دي زاد لفيديوهات يذكر فيها زوجة الرئيس وابنته، وتعهد بـ”إسكاته بأي ثمن”، كما جرى تكليف الجنرال مهنا جبار، الذي كان حينها مدير جهاز المخابرات الخارجية، بتنفيذ العملية بالتعاون مع الجنرال رشدي فتحي موساوي، الذي كان يتولى مسؤولية أمن السفارة الجزائرية في باريس، ويُعد من المقربين من نجل الرئيس. ومع تقدم التحقيقات وتضييق الخناق الفرنسي، هرب “القائد س.” من فرنسا في نونبر 2024، وتبعه “نائب القنصل” المقدم “ب.” الذي سافر سرا إلى نيس ومنها إلى إيطاليا، قبل أن يغادر جوًا. أما المساعد “ر.”، فقد غادر إلى الجزائر رسميا في عطلة أعياد نهاية السنة، ثم عاد إلى فرنسا في أبريل 2025 بعد زيارة الوزير الفرنسي جان-نوال بارو للجزائر، وما إن عاد إلى الأراضي الفرنسية حتى ألقت الشرطة القبض عليه في الشارع، بهدف مصادرة هاتفه المحمول، الذي يُعتقد أنه يحتوي على أدلة تثبت تورطه، وقد تُسقط كذلك رؤوسًا أكبر في جهاز المخابرات الجزائرية، إن لم يكن في مستويات أعلى داخل الدولة. وما تكشف عنه التحقيقات الفرنسية ليس مجرد “محاولة اختطاف”، بل عملية استخباراتية عابرة للحدود، شارك فيها ضباط يرتدون أقنعة دبلوماسية، ومخترقون للمؤسسات الفرنسية، ومخبرون من داخل الجالية الجزائرية، وكل ذلك تم بتخطيط وتمويل وتوجيه سياسي رفيع المستوى.

وتقول المصادر الفرنسية إن ما خفي أعظم، حيث يُعتقد أن هناك عمليات مشابهة كانت قيد الإعداد، وربما تستهدف معارضين آخرين، أو شخصيات إعلامية بارزة من الجالية الجزائرية في أوروبا، وعلى الرغم من إنكار السلطات الجزائرية أي صلة لها بالقضية، فإن البيانات التقنية، والاتصالات الملتقطة، والتحركات الموثقة، تُعد وفق الفرنسيين، أدلة دامغة على تورط مباشر. وإلى حدود كتابة هاته الأسطر، فرنسا الرسمية ما تزال تلتزم الصمت، لكن صحيفة Le Journal du Dimanche، أكدت أن ما يجري ليس مجرد أزمة أمنية، بل فضيحة دولة على وشك الانفجار، وقد تكون لها تداعيات دبلوماسية وأمنية طويلة الأمد، ليس فقط بين باريس والجزائر، بل أيضًا داخل أوروبا التي بدأت تدرك أن يد “الدولة العميقة” الجزائرية لا تتردد في ملاحقة معارضيها، حتى داخل الديمقراطيات الغربية.

كواليس الريف: متابعة

22/04/2025

Related Posts