يبدو أن مليلية المحتلة استيقظت هذا الأسبوع ليس على خبر تنموي أو إنجاز حقيقي، بل على حلقة جديدة من مسلسل “من سيربح الغضب” ، بين الحزب الشعبي وعدوه الأزلي: الاشتراكي الحاكم في إسبانيا … هذه المرة، كانت البطولة من نصيب خوان خوسيه إيمبرودا، رئيس المدينة المحتلة ، الذي لم ينسَ سيفه الخطابي في البيت، فخرجهُ مرفوعًا، ليبشّر الساكنة أن “الدخل الأدنى الحيوي” – الذي جاءت الوزيرة إلما سايث لتسويق نجاحه – لا يعدو كونه “إعانة”… وكأن المجتمع المليلي لم يكن يعلم أن الماء مبلول !
الوزيرة، التي وصلت إلى المدينة أمس الإثنين، وعلى وجهها ابتسامة “نحن بخير”، جاءت تحمل كيسًا ممتلئًا بعبارات التفاؤل، ووعودًا تكاد تضيء ليل المدينة بلا كهرباء. أرادت أن تَشحن طاقة السياسيين بالإيجابية، لكنها وجدت أمامها إيمبرودا يشحن كل طاقته في اتجاهٍ واحد: تفكيك “الخطاب الوردي”.
10 آلاف شخص يستفيدون من إعانة ؟ هل هذا فخر أم إشهار لعجز الدولة عن خلق فرص؟ تساءل إيمبرودا ساخرًا، مضيفًا أن الوزيرة جاءت لتقدّم عرضًا مسرحيًا بعنوان “نحن نساعد الفقراء بأن نجعلهم فقراء أكثر، ولكن بابتسامة” !.
ومع أن الحكومة – بحسبه – لم تُعد إعفاءات الضمان الاجتماعي إلا بعد عام من التوسل، إلا أن الحل السحري كان في “إعانة بـ262 يورو” … رقم يصلح لأن يكون جائزة عزاء في مسابقة لا رابحين فيها.
ولأن كل مشهد تهكمي يحتاج إلى نقيضه المبتسم، ارتدت الوزيرة قناع الرضا، وانطلقت تسرد الإنجازات بإيقاع ثابت: “نسبة الانخراط في الضمان الاجتماعي ارتفعت! البطالة انخفضت بـ1600 شخص!”… ربما لأنهم سافروا، لا لأنهم وُظفوا، لكنها لم توضح، تاركةً لنا متعة التأويل.
أما عن غياب مستشارة السياسات الاجتماعية راندا محمد، فقد كان له هو الآخر لمسة عبثية: كانت في طريقها لمؤتمر الطفولة… الذي لم ينعقد بسبب انقطاع الكهرباء في شبه الجزيرة. الكهرباء إذن، اتخذت موقفًا سياسيًا هي الأخرى، وأعلنت إضرابًا تضامنيًا مع الحيرة العامة.
والواقع أن غالبية الشباب المغاربة في مليلية – مثل جيرانهم في سبتة – لم ينتظروا لا إعانات مدريد ولا خطابات بروكسيل، فغادروا نحو ألمانيا وهولندا، مستندين على دعم عائلاتهم من مغاربة العالم الذين لم يعوّلوا يومًا على مناظرات البرلمان، بل على العمل والكرامة.
وفي ختام المسرحية، تبادل الطرفان – كعادة السياسيين الإسبان – ابتسامات دبلوماسية أقرب إلى الإرهاق منها إلى الود، وكأن لسان حال كلٍّ منهما يقول: “لقد قصفته بالحقائق!”، بينما الحقيقة الوحيدة التي لا تُقصف، هي أن المدينة ما تزال تنتظر شيئًا حقيقيًا… لا مجرد مونولوغات سياسية، ولا مؤتمرات لا تُعقد.
29/04/2025