ها هي الجزائر تُبدع من جديد في صناعة الأخبار، ولكن هذه المرة ليس بابتكار علمي أو إنجاز ثقافي، بل باعتقال أحد أبرز مؤرخيها، محمد الأمين بلغيث، فقط لأنه تجرأ على الكلام… في حوار تلفزيوني! نعم، في زمن يُكافأ فيه الصمت، قرر الأستاذ أن يتكلم، وكانت النتيجة: إيداعه السجن المؤقت بتهمة جنائية، وكأنما التاريخ نفسه أصبح جريمة.
مع تحفظنا الكامل على بعض تصريحاته المثيرة للجدل، خصوصًا تلك التي تمس الأمازيغ واللغة والهوية — والتي نختلف معه فيها جملةً وتفصيلًا — إلا أن الخلاف الفكري لا يُحلّ بالأصفاد، ولا يُواجه بحرمان الشخص من حريته. فالديمقراطية الحقيقية لا تُقاس بعدد الرايات المرفوعة في الاحتفالات، بل بمدى تقبّلها للاختلاف في الرأي.
السلطات، في استعراض درامي للسلطة، وجّهت له تهمة “القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية”، لأنه — يا للعجب — تحدّث عن رموز الأمة والجمهورية بطريقة لم ترُق للحساسية الوطنية الجديدة. أما تهمة “نشر خطاب الكراهية والتمييز”، فهي لم تكن لتُكتمل دون لمسة سحرية من تكنولوجيا الإعلام والاتصال، هذا الوحش الإلكتروني الذي صار يُستخدم لتكميم الأفواه بدلًا من توسيع أفق النقاش.
في الجزائر الجديدة، يبدو أن التعبير عن الرأي أصبح فعلاً مجرّماً إذا لم يكن مرفقًا بعبارات التمجيد والتصفيق الحار. أما من تسوّل له نفسه الحديث بلغة العقل أو النقد، فمصيره خلف القضبان، حيث يلتقي التاريخ بالواقع في أكثر مشاهده عبثية.
03/05/2025