في خطوة يُفترض أن تُظهر “التزام الحكومة” بالحفاظ على التراث الثقافي، قام رئيس مدينة مليلية المحتلة، خوان خوسيه إمبرودا، بزيارة ميدانية لموقع الحفريات الأثرية في “حدائق بيت الحاكم”. هذه الحديقة التي، بحسب ما أعلن، هي شاهد حي على عراقة مليلية التاريخية. وبمرافقته، كانت مستشارة الثقافة والتراث الثقافي، فضيلة مختار، ورئيس مؤسسة “مليلية مدينة أثرية” فرانسيسكو دياز، ليؤكد الجميع على العزم الراسخ على “الحفاظ” على الآثار… أو لنقل، على تحويلها إلى مصدر ربح سياحي.
منذ انطلاق الحفريات في عام 2011، والمكتشفات تتوالى بشكل دوري، حيث كلما تم اكتشاف قطعة أثرية جديدة، كانت التصريحات تتبعها على الفور، معلنةً اكتشاف “الجذور الفينيقية والرومانية” للمدينة. لكن في الحقيقة، عندما نتمعن في هذه الحفريات العميقة، قد نجد أن السؤال الأكثر أهمية ليس عن الجذور القديمة التي تم اكتشافها، بل عن الجذور السياسية لهذه الحفريات وأبعادها الحقيقية. هل هي حقًا سعي للعلم والمعرفة، أم مجرد محاولة لتصدير صورة رومانسية عن المدينة أمام العالم؟
الحديث عن “نصب تمثال” في ساحة الأسلحة لتخليد التراث الفينيقي والروماني يثير الضحك في مكانه. هل يكفي نصب تمثال لاعتبار المدينة قد حافظت على هويتها التاريخية؟ هل هذا هو أقصى ما يمكن فعله، أم أن الحفاظ على الآثار يتطلب عملاً أعمق من مجرد رسم صورة جميلة على واجهة المدينة؟
وفيما يخص الاكتشافات الأخيرة، التي تشمل “غطاء وعاء يوناني” وأوانٍ خزفية رومانية وفينيقية، فلا بد من الاعتراف بأن تلك القطع تُضاف إلى الكنز السياحي الذي سيساهم بالتأكيد في جذب المزيد من الزوار والسياح. ولا بأس بذلك، فقد تكون هذه الحفريات فرصة ذهبية لتعزيز الاقتصاد المحلي، على الأقل لأصحاب الفنادق والمطاعم في المدينة.
لكن حين ننظر إلى الواقع، فإن العمل على الأرض لا يزال في بداياته. التصريحات الرسمية تقول إن الحفريات ستساهم في “تطوير الموقع الأثري”، ولكن الحقيقة أن الأشغال الحالية تقتصر على تنظيف الأنقاض. هل هذه هي أضخم إنجازات المشروع؟ أم أن الحقيقة وراء هذه الحفريات تكمن في محاولة تحويل مدينة مليلية المحتلة إلى مزار سياحي يدر الأرباح، مستغلةً ماضيها الغني كمحرك اقتصادي؟
وفي خضم هذا الهراء من المشاريع، يبقى السؤال الأهم: هل تأخذ الحكومة في عين الاعتبار تأثير هذه الحفريات على سكان المدينة المحليين؟ إذ يبدو أن الخطط تتجاهل بشكل تام معاناة أولئك الذين يعيشون في محيط الحفريات، في الوقت الذي يُنفَق فيه المال على مشاريع قد تكون مجرد أدوات لتجميل الوجه السياحي للمدينة.
وفي الختام، تظل الحقيقة المؤلمة أن مليلية ستظل تحت الاحتلال، وستبقى “آثارها” رهينة لخطط سلطات الاحتلال. إذ لا يمكن الحديث عن الحفاظ على التراث عندما تكون المدينة نفسها محكومة بالقوة العسكرية. فالحفاظ على التراث ليس مجرد نصب تمثال أو حفر في الأرض، بل هو احترام لحق الشعوب في الأرض والحياة، وهو ما لن يتحقق في ظل الواقع القائم.